السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1647 (باب منه)

وذكره النووي في باب: (إثم مانع الزكاة)

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 64-67 ج7 المطبعة المصرية

[عن زيد بن أسلم، أن أبا صالح ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى يقضى بين العباد. فيرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار."

[ ص: 459 ] قيل: يا رسول الله! فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل، لا يؤدي منها حقها: (ومن حقها حلبها يوم وردها) ، إلا إذا كان يوم القيامة بطح، لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار".

قيل: يا رسول الله! فالبقر والغنم؟ قال: "ولا صاحب بقر ولا غنم، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها. كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار."

قيل: يا رسول الله! فالخيل؟ قال: "الخيل ثلاثة هي لرجل وزر. وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر. فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام. فهي له وزر. وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر. وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء، إلا كتب له (عدد ما أكلت) : حسنات. وكتب له (عدد أرواثها وأبوالها) : حسنات. ولا تقطع طولها فاستنت شرفا [ ص: 460 ] أو شرفين، إلا كتب الله له (عدد آثارها وأرواثها) : حسنات. ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، "ولا يريد أن يسقيها" إلا كتب الله له (عدد ما شربت) : حسنات."

قيل: يا رسول الله! فالحمر؟ قال: "ما أنزل علي في الحمر شيء، إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
]


(الشرح)

(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة) .

وفي رواية أخرى: (ما من صاحب كنز) .

والكنز: كل شيء مجموع بعضه على بعض، سواء كان في بطن الأرض أم على ظهرها.

زاد " صاحب العين " وغيره: وكان مخزونا.

(لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت) .

[ ص: 461 ] وفي بعض النسخ: " ردت ".

وذكرهما عياض، وقال: الأولى هي الصواب.

قال: والثانية رواية الجمهور.

(أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى قضي بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار.)

هذا الحديث، صريح في وجوب الزكاة، في الذهب والفضة. ولا خلاف فيه، ولا شك في ذلك، للأدلة الصحيحة.

ونصاب الذهب: (عشرون مثقالا) . وقد قيل: إن المثقال هو قدر الدينار.

ونصاب الفضة: " مائتا درهم ".

وجوب ربع العشر في نصابهما: مجمع عليه. دلت له الأدلة الصحيحة.

ولا فرق بين ما كان منهما مضروبا. وما كان غير مضروب، كالحلية.

واختلف في وجوب الزكاة في الحلية.

(قيل: يا رسول الله! فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل، لا يؤدي منها حقها - ومن حقها كلها يوم وردها - ".)

"حلبها" بفتح اللام، على اللغة المشهورة. وحكي إسكانها، وهو غريب ضعيف، وإن كان هو القياس.

[ ص: 462 ] (إلا إذا كان يوم القيامة، "بطح لها") أي: ألقي على وجهه. قاله جماعة، قال عياض : قد جاء في البخاري : (يخبط وجهه، بأخفافها) .

قال: وهذا يقتضي، أنه ليس من شرط البطح، كونه على الوجه. وإنما هو في اللغة بمعنى: البسط والمد.

فقد يكون على "وجهه ". وقد يكون على "ظهره ". ومنه سميت: "بطحاء مكة"، لانبساطها.

(بقاع قرقر) . " القاع ": المستوي الواسع من الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه.

قال الهروي: وجمعه: "قيعة وقيعان". مثل: "جار وجيرة وجيران".

"والقرقر": المستوي أيضا من الأرض، الواسع. وهو بفتح القافين.

(أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا: تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها) .

وفي رواية: (أعظم ما كانت) .

وهذا للزيادة في عقوبته بكثرتها، وقوتها، وكمال خلقها. فتكون أنقل في وطئها.

كما أن ذوات القرون تكون بقرونها، ليكون أنكى، وأصوب لطعنها ونطحها.

[ ص: 463 ] (كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها) . هكذا في جميع الأصول، في هذا الموضع.

قال عياض : قالوا: هو تغيير وتصحيف. وصوابه: ما جاء بعده في الحديث الآخر:

(كلما مر عليه أخراها، رد عليه أولاها) بهذا ينتظم الكلام.

(في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله) .

بضم الياء وفتحها، وبرفع لام "سبيله"، ونصبها.

(إما إلى الجنة، وإما إلى النار) .

فيه: وجوب الزكاة في الإبل . وقد تظاهرت الأدلة الصحيحة على ذلك، في دواوين الإسلام.

وتقدم حديث: (ليس فيما دون خمس ذود: من الإبل صدقة) .

(قيل: يا رسول الله! فالبقر والغنم؟ قال: "ولا صاحب بقر، ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء") أي: ملتوية القرنين.

(ولا جلحاء) أي: التي لا قرن لها.

[ ص: 464 ] (ولا عضباء) أي: التي انكسر قرنها الداخل.

(تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها. كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار) .

وفي هذا: دليل على وجوب الزكاة في البقر. قال النووي : وهذا أصح الأحاديث الواردة في زكاة البقر. انتهى.

قلت: وفيه أيضا: دلالة على وجوبها في الغنم. وعلى عقوبة تاركي حقهما.

(قيل: يا رسول الله! فالخيل؟ قال: " الخيل ثلاثة ".) وزاد في رواية أخرى: (قال: "الخيل في نواصيها الخير". أو "معقود في نواصيها الخير")

(هي لرجل وزر. وهي لرجل ستر. وهي لرجل أجر) .

وفيه: حجة على عدم وجوب الزكاة في الخيل. وبه جاءت الأدلة الصحيحة.

(فأما التي) . وفي بعض النسخ: "الذي"، قال النووي : وهو أوضح وأظهر.

(هي له وزر، فرجل ربطها: رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام) .

بكسر النون وبالمد. أي: مناوأة ومعاداة! (فهي له وزر) .

وفي الرواية الأخرى: (وأما الذي هي عليه وزر، فالذي يتخذها: أشرا [ ص: 465 ] وبطرا وبذخا، ورياء الناس. قال الذي هي عليه وزر) .

(وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله) . أي: أعدها للجهاد.

وأصله من "الربط". ومنه: "الرباط"؛ وهو حب الرجل نفسه في الثغر، وإعداد الأهبة لذلك.

(ثم لم ينس حق الله في ظهورها، ولا رقابها) .

وفي رواية أخرى: (فالرجل يتخذها تكرما وتجملا. ولا ينسى حق ظهورها، وبطونها، في عسرها ويسرها) .

استدل به أبو حنيفة " رضي الله عنه "، على وجوب الزكاة في الخيل، على تفصيل له في ذلك في كتب مذهبه. وليس بواضح، ولا يصح.

وقال مالك، والشافعي، وجماهير العلماء من المحدثين والفقهاء: لا زكاة في الخيل بحال، للحديث السابق:

(ليس على المسلم، في فرسه صدقة) . وهو حجة عليه .

وتأولوا هذا الحديث على أن المراد: أنه يجاهد بها، ويجب الجهاد بها إذا تعين.

وقيل: إن المراد بالحق في رقابها: الإحسان إليها، والقيام بعلفها وسائر مؤنها.

والمراد بظهورها: إطراق فحلها، إذا طلبت عاريته.

[ ص: 466 ] وهذا على الندب.

وقيل: المراد حق الله، مما يكسب من مال العدو على ظهورها. وهو خمس الغنيمة.

(فهي له ستر. وأما الذي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة. فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء، إلا كتب له: عدد ما أكلت حسنات. وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات) .

وفي الرواية الأخرى: (" فالرجل يتخذها في سبيل الله ويعدها له. لا تغيب شيئا في بطونها، إلا كتب الله له أجرا. ولو رعاها في مرج: ما أكلت من شيء إلا كتب الله له بها أجرا. ولو سقاها من نهر: كان له كل قطرة تعيها في بطونها أجر". حتى ذكر الأجر، في أبوالها وأرواثها) :

(ولا تقطع طولها) بكسر الطاء وفتح الواو. ويقال: "طيلها" بالياء.

كذا جاء في الموطأ.

والطول والطيل: الحبل" الذي تربط فيه.

(فاستنت) . أي: جرت. (شرفا أو شرفين،) بفتح الشين والراء. هو [ ص: 467 ] العالي من الأرض. وقيل: المراد هنا: "طلقا أو طلقين .

(إلا كتب الله له "عدد آثارها وأرواثها ": حسنات) .

وفي رواية أخرى: (كتب له: بكل خطوة تخطوها أجر) .

(ولا مر بها صاحبها على نهر، فشربت منه " ولا يريد أن يسقيها "، إلا كتب الله له " عدد ما شربت " حسنات) .

هذا من باب التنبيه؛ لأنه إذا كان تحصل له هذه الحسنات، من غير أن يقصد سقيها، فإذا قصده: فأولى بأضعاف الحسنات.

(قيل: يا رسول الله! فالحمر؟ قال: "ما أنزل علي في الحمر شيء، إلا هذه الآية الفاذة") أي: القليلة النظير.

(الجامعة) أي: العامة، المتناولة لكل خير ومعروف.

وفيه: إشارة إلى التمسك بالعموم.

والمعنى: لم ينزل علي فيها نص بعينها، لكن نزلت هذه الآية العامة.

وقد يحتج به من قال: لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإنما كان يحكم بالوحي.

ويجاب للجمهور، القائلين بجواز الاجتهاد: بأنه لم يظهر له فيها شيء.

[ ص: 468 ] فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره .

وهذا الحديث، رواه مسلم بطرق وألفاظ شتى.

وفيه: الحث على فعل الخيرات، ومكارم الأخلاق.

وقد ذهب جماعة من أهل العلم: إلى أن في المال حقا سوى الزكاة؛ من إطراق الفحل. وإعارة الدلو والمنيحة. والحلب على الماء. والحمل عليها في سبيل الله: في موضع تتعين فيه المواساة.

التالي السابق


الخدمات العلمية