السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1657 (باب في الكانزين والتغليظ عليهم)

وأورده النووي في: (باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 79 ج7 المطبعة المصرية

[عن الأحنف بن قيس قال: كنت في نفر من قريش، فمر أبو ذر وهو يقول: بشر الكانزين بكي في ظهورهم، يخرج من جنوبهم. وبكي من قبل أقفائهم، يخرج من جباههم.

قال: ثم تنحى فقعد. قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر.

قال: فقمت إليه، فقلت: ما شيء سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت إلا شيئا، قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 469 ] قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه، فإن فيه اليوم معونة. فإذا كان ثمنا لدينك فدعه.
]


(الشرح)

(عن الأحنف بن قيس؛ قال: كنت في نفر من قريش، فمر أبو ذر)

رضي الله عنه (وهو يقول) .

وفي رواية أخرى: (قال: قدم المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال:

بشر الكانزين بكي في ظهورهم يخرج من جنوبهم، وبكي من قبل أقفائهم، يخرج من جباههم) .

وفي الرواية الأخرى: (برضف يحمى عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم، حتى يخرج من نغض كتفيه. ويوضع على غض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه، يتزلزل) .

قال النووي : ظاهر قوله: (بشر الكانزين) ، أنه أراد الاحتجاج لمذهبه، في أن الكنز: "كل ما فضل عن حاجة الإنسان".

هذا هو المعروف، من مذهب أبي ذر. وروي عنه غيره.

قال: والصحيح الذي عليه الجمهور؛ أن الكنز: هو المال الذي لم تؤد زكاته.

[ ص: 470 ] فأما إذا أديت زكاته فليس بكنز، سواء كثر أم قل.

وقال عياض : الصحيح أن إنكاره؛ إنما هو على السلاطين، الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال، ولا ينفقونه في وجوهه.

قال النووي : وهذا الذي قاله عياض باطل؛ لأن السلاطين في زمنه، لم تكن هذه صفتهم. ولم يخونوا في بيت المال.

إنما كان في زمنه: أبو بكر، وعمر، وعثمان. "رضي الله عنهم".

وتوفي في زمن عثمان: سنة ثنتين وثلاثين.

قلت: ومعنى (الرضف) : الحجارة المحماة.

(ويحمى) معناه: يوقد.

(ونغض) بضم النون وإسكان الغين. هو العظم الرقيق، الذي على طرف الكتف. وقيل: هو أعلى الكتف.

ويقال له أيضا: (الناغض) .

ومعنى (يتزلزل) :يتحرك. أي: أنه بسبب نضجه يتحرك، لكونه يهتري.

قال عياض : والصواب: أن الحركة والتزلزل، إنما هو للرضف.

(قال: ثم تنحى فقعد. قال: قلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر.

قال: فقمت إليه فقلت: ما شيء سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت [ ص: 471 ] إلا شيئا، قد سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء ؟ قال: خذه. فإن فيه اليوم معونة. فإذا كان ثمنا لدينك فدعه) .

وفي الرواية الأخرى: (قال: وضع القوم رءوسهم. فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا. قال: فأدبر واتبعته حتى جلس إلى سارية. فقلت: ما رأيت هؤلاء، إلا كرهوا ما قلت لهم. قال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئا. إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، دعاني فأجبته. فقال: "أترى أحدا؟" فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظن أنه يبعثني في حاجة له. قلت: أراه. فقال: "ما يسرني أن لي مثله ذهبا، أنفقه كله. إلا ثلاثة دنانير". ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئا.

قال: قلت: ما لك ولإخوتك من قريش: لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: لا وربك! لا أسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألحق بالله ورسوله)
.

[ ص: 472 ] وفي هذا الحديث: فوائد كثيرة، تظهر بالتأمل في مبانيه ومعانيه، على من يعرف هذا الشأن.

وبالله التوفيق، وهو المستعان.

التالي السابق


الخدمات العلمية