السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1635 (باب في زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير)

وقال النووي : (باب زكاة الفطر) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 57 - 58 ج 7 المطبعة المصرية

[ (عن) (ابن عمر) (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس: صاعا من تمر. أو صاعا من شعير. على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين .


(الشرح)

قال النووي : اختلف الناس في معنى: " فرض " هنا.

فقال جمهورهم من السلف والخلف: معناه: ألزم وأوجب.

فزكاة الفطر، فرض واجب عندهم. لدخولها في عموم قوله تعالى: [ ص: 513 ] وآتوا الزكاة .

ولقوله: "فرض"، وهو غالب في استعمال الشرع بهذا المعنى.

وقال إسحاق بن راهويه: إيجاب زكاة الفطر، كالإجماع.

وقال بعض أهل العراق، وبعض أصحاب مالك، وبعض أصحاب الشافعي، وداود في آخر أمره: إنها سنة، ليست بواجبة.

قالوا: ومعنى "فرض"، قدر على سبيل الندب.

وقال أبو حنيفة : هي واجبة ليست فرضا. بناء على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض. انتهى.

وأقول: قد ثبت بلفظ: " صدقة الفطر، واجب على كل مسلم".

وفي بعض أحاديث الصحيحين بلفظ: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر".

فوجوبها لا شك فيه، ولا شبهة.

قال في "السيل الجرار ": ولا يقدح في ذلك، ما أخرجه النسائي عن قيس بن سعد:

(قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر، قبل أن تنزل الزكاة. فلما نزلت الزكاة، لم يأمرنا ولم ينهنا. ونحن نفعله) .

[ ص: 514 ] فإن في إسناده راويا مجهولا. فلا تقوم به الحجة.

وعلى التسليم، فلا دليل فيه على النسخ؛ لأن الأمر الأول يكفي، ولا يحتاج إلى تجديد.

وقد نقل ابن المنذر وغيره: الإجماع على وجوب صدقة الفطر.

قال في "الفتح": وفي نقل الإجماع نظر؛ لأن إبراهيم بن علية، وأبا بكر بن كيسان الأصم، قالا: إن وجوبها نسخ. انتهى.

ولا يخفاك أنهما ليسا ممن يتكلم في النسخ، ولا يعتد بقولهما.

ولكنه قد روي عن أشهب: أنها "سنة مؤكدة".وهو قول بعض أهل الظاهر، وابن الليان من الشافعية.

والأدلة الصحيحة ترد عليهم، وتدفع قولهم. انتهى.

قال النووي : وقال بعضهم: (الفطرة) منسوخة بالزكاة.

قلت: هذا غلط صريح. والصواب: أنها فرض واجب.

وفي قوله: "من رمضان "، إشارة إلى وقت وجوبها.

وفيه: خلاف العلماء.

والصحيح: أنها تجب بغروب الشمس، ودخول أول جزء من ليلة عيد الفطر.

[ ص: 515 ] قال: وعند أبي حنيفة، تجب بطلوع الفجر. انتهى.

قال: وأخذ داود بظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " على كل حر وعبد". فأوجبها على العبد بنفسه، وأوجب على السيد تمكينه من كسبها.

ومذهب الجمهور: وجوبها على سيده عنه.

وفي الحديث: دليل على أنها تجب على أهل القرى، والأمصار، والبوادي، والشعاب، وكل مسلم حيث كان. لقوله: "على الناس".

وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير العلماء.

وعن عطاء والزهري، والليث: أنها لا تجب إلا على أهل الأمصار والقرى. دون البوادي.

وفيه: دليل للجمهور، على أنها تجب على من ملك فاضلا عن قوته، وقوت عياله، يوم العيد.

وقال أبو حنيفة : لا تجب على من يحل له أخذ الزكاة.

وفي قوله: (ذكر أو أنثى) حجة للكوفيين، في أنها تجب على الزوجة في نفسها، ويلزمها إخراجها من مالها.

وعند مالك، والشافعي، والجمهور: يلزم الزوج فطرة زوجته، لأنها تابعة للنفقة.

وظاهر الحديث، مع أهل الكوفة.

[ ص: 516 ] وقوله: " من المسلمين"، صريح في أنها: لا تخرج إلا عن مسلم.

وتأول الطحاوي فقال: المراد: " من المسلمين": السادة، دون العبيد. وهذا يرده ظاهر الحديث.

وفي قوله: " صاعا من كذا. وصاعا من كذا "، دليل على أن الواجب في " الفطرة " عن كل نفس: صاع، ولو من حنطة.

وبه قال الشافعي، ومالك، والجمهور.

وقال أبو حنيفة : نصف صاع. لحديث معاوية المذكور بعد هذا، في مسلم.

وحجة الجمهور: حديث أبي سعيد، بعد هذا.

وقد ذكر الشوكاني في شرحه " للمنتقى": أن الأحاديث الواردة، بأن "الفطرة " نصف صاع من الحنطة، تنتهض بمجموعها.

وذكر الكلام على ما ذكره أبو سعيد، فليرجع إليه.

قال في " السيل": وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة. منهم: عثمان، وعلي، وأبو هريرة، وابن عباس، وجابر، وابن الزبير، وأمه أسماء بنت أبي بكر.

كما حكى ذلك عنهم ابن المنذر . قال ابن حجر : بأسانيد صحيحة.

قال: وأما الصبي يخرج عنه وليه. وكذا المجنون.

وأما الزوجة تخرج من مالها، إذا كان لها مال.

[ ص: 517 ] فإن لم يكن لها مال، ولا للصبي ولا للمجنون مال، فالظاهر عدم الوجوب.

التالي السابق


الخدمات العلمية