السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1843 [ ص: 61 ] باب: إذا أقبل الليل وغربت الشمس، أفطر الصائم

وقال النووي : ( باب بيان وقت انقضاء الصوم، وخروج النهار ).

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 209 ج7 المطبعة المصرية

[عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، في شهر رمضان. فلما غابت الشمس قال: "يا فلان! انزل فاجدح لنا". قال: يا رسول الله! إن عليك نهارا. قال: "انزل فاجدح لنا" قال: فنزل فجدح، فأتاه به، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بيده: "إذا غابت الشمس من ههنا، وجاء الليل من ههنا، فقد أفطر الصائم ". ]
(الشرح)

( عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله في سفر، في شهر رمضان. فلما غابت الشمس قال: " يا فلان ! انزل فاجدح لنا ". قال: يا رسول الله ! إن عليك نهارا ).

وفي رواية: (يا رسول الله ! لو أمسيت ؟ ).

[ ص: 62 ] ( قال: " انزل فاجدح لنا". قال: فنزل فجدح ) بجيم ثم حاء، وهو خلط الشيء بغيره.

والمراد هنا: خلط السويق بالماء، وتحريكه حتى يستوي.

(والمجدح ) بكسر الميم: ( عود مجنح الرأس )، ليساط به الأشربة.

وقد يكون له ثلاث شعب.

والمعنى: أن رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم" وأصحابه كانوا صياما.

وكان ذلك في شهر رمضان، كما صرح به في الرواية. فلما غربت الشمس، أمره النبي، " صلى الله عليه وآله وسلم" (بالجدح ) ليفطروا.

فرأى المخاطب آثار الضياء والحمرة، التي بعد غروب الشمس، فظن أن الفطر لا يحل إلا بعد ذهاب ذلك، واحتمل عنده: أن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " لم يرها ؛ فأراد تذكيره وإعلامه بذلك.

ويؤيد هذا: ذكره النهار والمساء، لتوهمه أن ذلك الضوء من النهار الذي يجب صومه.

وهو معنى: ( لو أمسيت ؟ ). أي: تأخرت حتى يدخل المساء.

وتكريره المراجعة، لغلبة اعتقاده على أن ذلك نهار، يحرم فيه الأكل، مع تجويزه: أن النبي "صلى الله عليه وآله وسلم " لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرا تاما. فقصد: زيادة الإعلام ببقاء الضوء.

[ ص: 63 ] وفي هذا الحديث: جواز الصوم في السفر، وتفضيله على الفطر لمن لا تلحقه بالصوم مشقة ظاهرة.

وفيه: بيان انقضاء الصوم، بمجرد غروب الشمس.

وتذكير العالم ما يخاف أن يكون نسيه.

واستحباب تعجيل الفطر.

(فأتاه به، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بيده ).

أي: نحو المشرق، كما في رواية أخرى.

( إذا غابت الشمس من ههنا. وجاء الليل من ههنا، فقد أفطر الصائم ).

معناه: انقضى صومه، وتم. ولا يوصف الآن بأنه صائم.

فإن بغروب الشمس خرج النهار، ودخل الليل. والليل ليس محلا للصوم.

وفي رواية عن عمر يرفعه، عند مسلم أيضا، بلفظ:

" إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم ".

قال أهل العلم: كل واحد من هذه الثلاثة، يتضمن الآخرين ويلازمهما. وإنما جمع بينها، لأنه قد يكون في واد ونحوه، بحيث لا يشاهد غروب الشمس، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء.

[ ص: 64 ] وفي هذا الحديث: أن الفطر على التمر ليس بواجب، وإنما هو مستحب لو تركه جاز.

وأن الأفضل بعده: الفطر على الماء.

وقد جاء هذا الترتيب في الحديث الآخر، في ( سنن أبي داود وغيره )، في الأمر بالفطر على تمر. فإن لم يجد فعلى الماء، فإنه طهور. والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية