السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1891 [ ص: 84 ] باب التخيير في الصوم والفطر، في السفر

وهو في النووي في ( باب جواز الصوم والفطر. . الخ ) حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 237 - 238 ج7 المطبعة المصرية

[عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر. فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن. ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ". قال هارون في حديثه: هي (رخصة ). ولم يذكر (من الله ). ]

وفي رواية أخرى عن عائشة، رضي الله عنها: ( أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ قال: "صم إن شئت، وأفطر إن شئت". )


(الشرح)

في هذا دلالة لمذهب الجمهور: أن الصوم والفطر جائزان في السفر.

[ ص: 85 ] وأما الأفضل منهما، فتقدم حكمه.

قال النووي : واستدل به الشافعي وأصحابه: على أن صوم الدهر وسرده غير مكروه، لمن لا يخاف منه ضررا، ولا يفوت به حقا. بشرط فطر يومي العيدين، ( وأيام ) التشريق ؛ لأنه أخبر بسرده، ولم ينكر عليه، بل أقره عليه وأذن له فيه في السفر. ففي الحضر أولى.

قال النووي : وهذا محمول على أن حمزة الأسلمي، كان يطيق السرد بلا ضرر ولا تفويت حق، كما في رواية الباب: ( أجد بي قوة على الصيام ).

وأما إنكاره صلى الله عليه وسلم: على ( عبد الله بن ) عمرو بن العاص صوم الدهر، فلأنه صلى الله عليه وآله وسلم علم أنه سيضعف عنه.

وهكذا جرى، فإنه ضعف في آخر عمره، وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يحب العمل الدائم وإن قل، ويحثهم عليه. انتهى.

وأقول: حديث: "لا صام من صام الدهر"؛ من أعظم الأدلة، الدالة [ ص: 86 ] على أن صوم الدهر مخالف لهديه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه نزل صوم صائم الدهر: منزلة العدم.

وفي رواية: ( لا صام من صام الدهر، ولا أفطر ). والحديث صحيح.

ويؤيده: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من نهيه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمرو بن العاص لما أراد أن يصوم الدهر.

وقال له: "لا تفعل".

فإنكاره صلى الله عليه وآله وسلم عليه: حجة لنا، لا علينا.

وقال لما بلغه عن المتكلفين في العبادة ؛ فقال أحدهم: أصوم ولا أفطر، إلى قوله: فقال: " أما أنا فأصوم وأفطر".

وفي آخر هذا الحديث: "فمن رغب عن سنتي، فليس مني".


وأما تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي في سرد الصوم، كما أخرجه الشيخان وغيرهما: فليس فيه دليل على صوم الدهر.

لأن السرد يصدق بصوم أيام متتابعة، وإن كانت ( بعض سنة )، فضلا عن أكثر منها.

ومن جملة الوعيد لمن صام الدهر: ما أخرجه ابن حبان وابن أبي شيبة، من حديث أبي موسى ؛ ( أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الدهر، ضيقت عليه جهنم " ).

[ ص: 87 ] وهذا وعيد شديد. ومن زعم: أنه ترغيب في صوم الدهر، فلم يصب.

والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية