السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1950 باب من يصبح صائما متطوعا، ثم يفطر

وقال النووي : ( باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال.

وجواز فطر الصائم نفلا، من غير عذر. والأولى إتمامه ).

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 34 ج 8 المطبعة المصرية

[عن عائشة (أم المؤمنين ) قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات [ ص: 160 ] يوم، فقال: "هل عندكم شيء ؟ " فقلنا: لا. قال: "فإني إذن صائم ". ثم أتانا يوما آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس. فقال: "أرينيه، فلقد أصبحت صائما" فأكل. ]


(الشرح)

" الحيس" بفتح الحاء المهملة، هو التمر مع السمن والأقط.

وقال الهروي: (ثريدة ) من أخلاط. والأول هو المشهور.

قال النووي : فيه دليل لمذهب الجمهور ؛ أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار، قبل زوال الشمس،

ويتأوله الآخرون ؛ على أن سؤاله صلى الله عليه وسلم: " هل عندكم شيء ؟" لكونه ضعف عن الصوم، وكان نواه من الليل، فأراد ( الفطر ) للضعف.

قال: وهذا تأويل فاسد، وتكلف بعيد.

وفي الرواية الثانية: التصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه:

أن صوم النافلة ؛ يجوز قطعه والأكل في أثناء النهار، ويبطل الصوم لأنه نفل، فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء، وكذا في الدوام.

وممن قال بهذا: جماعة من الصحابة، وأحمد، وإسحاق، وآخرون.

ولكنهم كلهم والشافعي معهم، متفقون على استحباب إتمامه.

[ ص: 161 ] وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز قطعه. ويأثم بذلك.

وبه قال الحسن البصري، ومكحول، والنخعي. وأوجبوا قضاءه على من أفطر بلا عذر.

قال ابن عبد البر: وأجمعوا على أن لا قضاء على من أفطره بعذر. والله أعلم. انتهى.

وأقول: حديث الباب حجة على كل من يقول بخلاف ظاهره، الذي هو أوضح من كل واضح.

وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن سلمان أمر أبا الدرداء ؛ أن يفطر عن صوم كان متطوعا فيه، في قصة قال في آخرها: فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان".

وأخرج أحمد، والترمذي، والدارقطني، و البيهقي ، والطبراني: ( أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم هانئ: " المتطوع أمير نفسه: إن شاء صام. وإن شاء أفطر " ).

وفي إسناده: ( سماك بن حرب )، وفيه مقال.

وأخرج أبو داود والنسائي عن عائشة: ( أنه أهدي لحفصة طعام [ ص: 162 ] وكانتا صائمتين، فأفطرتا. ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال: "لا عليكما. صوما مكانه يوما آخر". )

وفي إسناده: (زميل ) وفيه مقال.

وحديث عائشة هذا أخرجه أهل السنن أيضا. وزاد النسائي فيه: (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما مثل المتطوع، مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها". )

وأخرج أحمد، وأبو داود، في رواية من حديث أم هانئ المتقدم: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا، فناولها تشرب فقالت: إني صائمة، ولكن كرهت أن أرد سؤرك. فقال: " إن كان قضاء من (رمضان ) فاقضي يوما مكانه، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي، وإن شئت فلا تقضي ". )

قال في ( السيل الجرار ): فيه: دليل على جواز إفطار القاضي. ويقضي يوما مكانه. وإن كان فيه المقال المتقدم.

ولكن الدليل على من قال: إنه لا يجوز إفطار القاضي. انتهى.

[ ص: 163 ] والحاصل: أن المتطوع في الصوم أمير نفسه ؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وإن شاء قضى، وإن شاء لم يقض.

التالي السابق


الخدمات العلمية