السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2377 باب حج الصبي وأجر من حج به

وقال النووي : ( باب صحة حج الصبي ... إلخ).

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 99 ج9 المطبعة المصرية

[عن كريب (مولى ابن عباس ) ، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لقي ركبا بالروحاء. فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله".

فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم. ولك أجر"
].


[ ص: 222 ] (الشرح)

(عن ابن عباس ) رضي الله عنهما: (عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: لقي ركبة بالروحاء) .

الركب: أصحاب الإبل خاصة. وأصله أن يستعمل في (عشرة فما دونها).

و"الروحاء" : مكان على ستة وثلاثين ميلا من المدينة .

(فقال: "من القوم؟" قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: "رسول الله" -صلى الله عليه وسلم -) .

قال عياض : يحتمل أن هذا اللقاء كان ليلا، فلم يعرفوه -صلى الله عليه وسلم -.

ويحتمل كونها نهارا، لكنهم لم يروه -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك، لعدم هجرتهم. فأسلموا في بلدانهم، ولم يهاجروا قبل ذلك.

(فرفعت إليه امرأة صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم. ولك أجر".)

"فيه": أن حج الصبي منعقد صحيح، يثاب عليه، وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعا .

[ ص: 223 ] وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وجماهير العلماء، قال النووي : وهذا الحديث صريح فيه.

وقال أبو حنيفة : لا يصح حجه. قال أصحابه: وإنما فعلوه تمرينا له ليعتاده، فيفعله إذا بلغ.

وهذا الحديث يرد عليهم.

قال عياض : لا خلاف بين العلماء، في جواز الحج بالصبيان. وإنما منعه طائفة من أهل البدع، ولا يلتفت إلى قولهم. بل هو مردود بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وإجماع الأمة.

وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه: هل ينعقد حجه، وتجري عليه أحكام الحج، وتجب فيه الفدية، ودم الجبران، وسائر أحكام البالغ؟

فأبو حنيفة يمنع ذلك كله.

والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك. ويقولون: حجه منعقد يقع نفلا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل له حجا.

قال عياض : وأجمعوا على أنه لا يجزئه (إذا بلغ)، عن فريضة الإسلام، إلا فرقة شذت فقالت: يجزئه. ولم يلتفت العلماء إلى قولها. انتهى.

وأقول: ويؤيده: ما أخرجه البخاري ، وغيره، من حديث السائب بن يزيد : (قال: حج بي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وأنا ابن سبع سنين) .

[ ص: 224 ] وما أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة ، من حديث جابر : (قال: حججنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم) . وفي إسناده: ( أشعث بن سوار ) وهو ضعيف.

وما أخرجه البخاري ، وغيره: (عن ابن عباس ؛ أنه بعثه -صلى الله عليه وسلم - في الثقل، وكان إذ ذاك صبيا) .

ولكن حديث ابن عباس ، الذي أخرجه الحاكم مرفوعا، وصححه البيهقي وابن حزم ، وصححه بلفظ: (أيما غلام حج به أهله، فعليه حجة أخرى) : يدل على أن هذه الحجة الواقعة عن الصبي، وإن ثبت له أجرها، لا تسقط عنه حجة الإسلام إذا بلغ.

ويشهد له: حديث محمد بن كعب القرظي ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قال: "أيما صبي حج به أهله فمات، أجزأته عنه، فإن أدرك فعليه الحج") . أخرجه أبو داود في (المراسيل) ، وأحمد في رواية ابنه عبد الله . وفي إسناده متهم.

ويؤيد عدم إجزاء الحج عن الصبي: ما ورد في رفع قلم التكليف عنه.

ولا يلزم من ثبوت الأجر له: صحة حجه عن فريضة الإسلام، الواجبة عليه.

التالي السابق


الخدمات العلمية