السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2022 باب في المواقيت، في الحج والعمرة

وقال النووي : ( باب مواقيت الحج ).

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 82 - 84 ج 8 المطبعة المصرية

[عن عمرو بن دينار، ، عن طاوس، ، عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة (ذا الحليفة). ولأهل الشام (الجحفة). ولأهل نجد (قرن المنازل). ولأهل المدينة ( يلملم ).

قال: "فهن لهن. ولمن أتى عليهن من غير أهلهن. ممن أراد الحج والعمرة. فمن كان دونهن فمن أهله. وكذا فكذلك. حتى أهل مكة يهلون منها"].



[ ص: 231 ] (الشرح)

(عن ابن عباس ) رضي الله عنهما، (قال: وقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ( ذا الحليفة )) . بضم الحاء وبالفاء مصغرا.

قال النووي : هي أبعد المواقيت من مكة ، بينهما نحو عشر مراحل أو تسع. وهي قريبة من المدينة ، على نحو ستة أميال منها.

وقال الحافظ في (الفتح): مكان معروف، بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين. قاله ابن حزم .

قال: وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة، خراب. وفيها بئر يقال لها: بئر علي.

(ولأهل الشام " الجحفة ") بجيم مضمومة، ثم حاء مهملة ساكنة.

سميت بذلك، لأن السيل أجحفها في وقت.

وهي ميقات لهم، ولأهل مصر .

ويقال لها: ( مهيعة ). بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الياء. كما ذكره في بعض روايات مسلم .

وحكى عياض عن بعضهم: (كسر الهاء). والصحيح المشهور: إسكانها.

قال النووي : وهي على نحو ثلاث مراحل من مكة ، على طريق المدينة . ومثله في (شرح المهذب) له.

[ ص: 232 ] قال الحافظ في (الفتح): وفيه نظر.

وقال في (القاموس): هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة . بها غدير (خم) ، كما قال صاحب (النهاية) رحمه الله.

ولأهل نجد ( قرن ). هكذا وقع في أكثر النسخ: ( قرن ) من غير ألف بعد النون.

وفي بعضها: ( قرنا ) بالألف، وهو الأجود. لأنه موضع واسم لجبل، فوجب صرفه.

والذي وقع بغير ألف، يقرأ منونا.

وإنما حذفوا الألف، كما جرت عادة بعض المحدثين يكتبون: (يقول سمعت أنس ) بغير ألف، ويقرأ بالتنوين.

ويحتمل على بعد أن يقرأ: ( قرنا ) منصوبا بغير تنوين. ويكون أراد به البقعة. فيترك صرفه.

( وقرن المنازل ) بفتح القاف وإسكان الراء، بلا خلاف بين أهل العلم: من أهل الحديث، واللغة والتاريخ، والأسماء، وغيرهم.

قال النووي : وغلط الجوهري في صحاحه فيه غلطين فاحشين، فقال: (بفتح الراء). وزعم أن أويسا القرني منسوب إليه. والصواب: إسكان الراء. وأن أويسا منسوب إلى قبيلة معروفة، يقال لهم: ( بنو قرن ). وهي بطن من مراد (القبيلة المعروفة). ينسب إليها ( المرادي ).

[ ص: 233 ] وقرن المنازل على نحو مرحلتين من مكة . قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة . انتهى.

وغلطه أيضا صاحب القاموس.

وقيل: إنه بالسكون (الجبل). وبالفتح (الطريق). حكاه عياض عن القابسي .

قال في (الفتح): والجبل المذكور، بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان.

(ولأهل اليمن " يلملم ") بفتح الياء واللامين. ويقال أيضا: ( ألملم ) بهمزة بدل الياء. لغتان مشهورتان.

وهو جبل من جبال ( تهامة ) ، على مرحلتين من مكة . قاله النووي . ومثله في (القاموس). وقال في (الفتح) كذلك. وزاد: بينهما ثلاثون ميلا.

(قال: فهن لهن) . قال عياض : كذا جاءت الرواية في الصحيحين وغيرهما، عند أكثر الرواة.

قال: ووقع عند بعض رواة البخاري ومسلم : (فهن لهم). وكذا رواه أبو داود وغيره. وكذا ذكره مسلم من رواية ابن أبي شيبة . وهو الوجه. لأنه ضمير أهل هذه المواضع.

قال: ووجه الرواية المشهورة: أن الضمير في (لهن) ، عائد على المواضع والأقطار المذكورة. وهي المدينة ، والشام ، واليمن ، ونجد .

[ ص: 234 ] أي: هذه المواقيت لهذه الأقطار. والمراد: لأهلها. فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.

وعبارة شيخنا في (النيل) هكذا: (هن) أي: المواقيت. وهي ضمير جماعة المؤنث. وأصله لما يعقل.

وقد يستعمل فيما لا يعقل. لكن فيما دون العشرة. كذا في (الفتح).

وقوله: (لهن) أي: للجماعات المذكورة. ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ (هن لهم أو لأهلهن) . على حذف المضاف. كما وقع في رواية للبخاري بلفظ (هن لأهلهن) . انتهى.

(ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة) .

قال النووي : معناه: أن الشامي إذا مر بميقات المدينة في ذهابه، لزمه أن يحرم من ميقات المدينة ، ولا يجوز له تأخيره إلى ميقات الشام ، الذي هو ( الجحفة ). وكذا الباقي من المواقيت.

قال: وهذا لا خلاف فيه. انتهى.

"وفيه": دلالة للمذهب الصحيح، فيمن مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة : أنه لا يلزمه الإحرام لدخول مكة ، سواء دخل لحاجة [ ص: 235 ] تتكرر: كحطاب، وحشاش، وصياد، ونحوهم. أو لا تتكرر: كتجارة، وزيارة، ونحوهما.

وفي المسألة خلاف منتشر، وفروع ذكرها النووي وغيره.

والذي ذكرناه، هو المدلول للدليل الصحيح الصريح.

وفائدة المواقيت: أن من أراد حجا، أو عمرة، حرم عليه مجاوزتها بغير إحرام، ولزمه الدم.

قال الأئمة الأربعة والجمهور: هي واجبة، لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم، ولزمه دم، وصح حجه.

وقال عطاء والنخعي : لا شيء عليه.

وقال سعيد بن جبير : لا يصح حجه.

(فمن كان دونهن) . أي: بين الميقات ومكة .

(فمن أهله) . أي: فميقاته من محل أهله.

(وكذا فكذلك) . هكذا هو في جميع النسخ. وهو صحيح.

ومعناه: وهكذا فهكذا. من جاوز مسكنه الميقات.

(حتى أهل مكة يهلون منها) .

(الإهلال) أصله: رفع الصوت. لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعا.

[ ص: 236 ] وفي رواية أخرى : "ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ. حتى أهل مكة من مكة .

قال النووي : وأجمع العلماء على هذا كله، فمن كان في مكة من أهلها أو واردا إليها، وأراد الإحرام بالحج، فميقاته: نفس " مكة ".

ولا يجوز له ترك مكة ، والإحرام بالحج من خارجها، سواء الحرم والحل.

هذا هو الصحيح. لهذا الحديث. قال: ويجوز أن يحرم من جميع نواحي مكة ، بحيث لا يخرج عن نفس المدينة وسورها.

وفي الأفضل قولان: أصحهما: من باب داره.

والثاني: من المسجد الحرام، تحت الميزاب.

وهذا كله في إحرام المكي بالحج. والحديث إنما هو في إحرامه بالحج.

وأما ميقات المكي للعمرة: فأدنى الحل. لحديث عائشة : ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم - أمرها في العمرة: أن تخرج إلى التنعيم ، وتحرم بالعمرة منه ).

والتنعيم في طرف الحل. انتهى.

قال المحب الطبري : لا أعلم أحدا جعل ( مكة ) ميقاتا للعمرة. انتهى.

أقول: جعلها ميقاتا لها، من لم يعمل بحديث عائشة ، وأوله على [ ص: 237 ] تطييب نفسها. وإلى هذا جنح شيخ الإسلام (ابن تيمية) ، وتلميذه الحافظ (ابن القيم) .

وعندي: أن الإعمال خير من الإهمال. وإليه شيخنا الشوكاني رحمه الله تعالى قد مال. والله أعلم بحقيقة الحال.

التالي السابق


الخدمات العلمية