السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
173 (باب الإسلام يهدم ما قبله والحج والهجرة)

وبنحوه ترجم النووي هذا الباب.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 137 - 139 ج2 المطبعة المصرية

[عن ابن شماسة المهري ، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول [ ص: 249 ] الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) إني كنت على أطباق ثلاث؛ لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال: «ما لك يا عمرو » ، قال: قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت، أن يغفر لي. قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار ، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي .
[ ص: 250 ] (الشرح)

(عن ابن شماسة المهري) بفتح الشين وضمها. اسمه عبد الرحمن.

«والمهري» بفتح الميم وإسكان الهاء وبالراء.

(قال: حضرنا عمرو بن العاص، «وهو في سياقة الموت ) ، بكسر السين. أي: حال حضور الموت. فبكى طويلا، وحول وجهه إلى الجدار. فجعل ابنه يقول: يا أبتاه! أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟.

«فيه استحباب تنبيه المحتضر، على إحسان ظنه بالله سبحانه، وذكر آيات الرجاء، وأحاديث العفو عنده، وتبشيره مما أعد الله تعالى للمسلمين، وذكر حسن أعماله عنده ؛ ليحسن ظنه بالله تعالى، ويموت عليه، وهذا الأدب مستحب بالاتفاق. وموضع الدلالة من هذا الحديث، قول ابن عمرو لأبيه هذا.

(قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نعد، بضم النون.

«شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله» .

(إني قد كنت على أطباق ثلاث) أي: على أحوال. قال تعالى: لتركبن طبقا عن طبق .

فلهذا أنث ثلاثا، إرادة لمعنى أطباق.

لقد رأيتني: وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب [ ص: 451 ] إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. فلو مت على تلك الحال، لكنت من أهل النار. فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك، فلأبايعك. فبسط يمينه «قال:» فقبضت يدي. قال: «ما لك يا عمرو؟» ، قال: قلت: أردت أن أشترط. قال: «تشترط بماذا» ؟ قلت: أن: يغفر. لي قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟» أي: يسقطه، ويمحو أثره مطلقا، مظلمة كانت أو غيرها، صغيرة كانت أو كبيرة. «وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله، (فيه» أن كل واحد منها، يهدم ما كان قبله من المعاصي. وقيل: إنهما لا يكفران المظالم، ولا يقطع فيهما بغفران الكبائر، التي بين العبد ومولاه، فيحمل الحديث على هدمهما الصغائر المتقدمة. والأول. أولى لأن السياق واحد، وفضل الله أوسع.

(وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني ) بتشديد الياء على التثنية (منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه ) .

«فيه» ما كانت الصحابة رضي الله عنهم عليه، من توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجلاله، وإعظامه، وإكرامه.

[ ص: 252 ] (ولو مت على تلك الحال، لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها؟ فإذا أنا مت، فلا تصحبني نائحة ولا نار ) .

«وفيه» ، امتثال لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

وقد كره العلماء ذلك، فأما النياحة فحرام، وأما اتباع الميت بالنار مكروه للحديث.

ثم قيل: سبب الكراهة، كونه من شعار الجاهلية. وقال ابن حبيب المالكي: كره تفاؤلا بالنار.

(فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ) ؛ هو بالمهملة، والمعجمة، وهو الصب. وقيل: بالمهملة «الصب في سهولة» ، وبالمعجمة «التفريق» «وفيه» ، استحباب صب التراب في القبر، وأنه لا يقعد على القبر، بخلاف ما يعمل في بعض البلاد. «ثم أقيموا حول قبري- قدر ما تنحر جزور- ) هي بفتح الجيم، وهي من الإبل، (ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل بي؟ ) .

وفي هذا الحديث: عظم موقع الإسلام، والهجرة، والحج.

«وفيه» إثبات فتنة القبر، وسؤال الملكين. وهو مذهب أهل الحق.

«وفيه» استحباب المكث عند القبر، بعد الدفن لحظة، نحو ما ذكر؛ لما ذكر. «وفيه» أن الميت يسمع حينئذ من حول القبر.

وقد يستدل به، لجواز قسمة اللحم المشترك، ونحوه من الأشياء الرطبة، كالعنب.

[ ص: 253 ] وفي هذا خلاف للشافعية معروف.

وفي حديث ابن عباس عند مسلم أن «ناسا» من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، «ثم أتوا» ، محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو لحسن. لو تخبرنا أن ما عملنا كفارة» ، أي: لأسلمنا؛ «فنزل» :

والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما .

ونزل:

قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
.

فالحاصل: أن القرآن العزيز، جاء بما جاءت به السنة، من كون الإسلام يهدم ما قبله. ولله الحمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية