السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2103 باب الاشتراط في الحج والعمرة

وقال النووي : ( باب جواز اشتراط (المحرم) التحلل، بعد المرض ونحوه).

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 131 - 132 ج 8 المطبعة المصرية

[عن أبي الزبير؛ أنه سمع طاوسا، وعكرمة (مولى ابن عباس )، عن ابن عباس : أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (رضي الله عنها) ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني امرأة ثقيلة. وإني أريد الحج. فما تأمرني؟ قال: "أهلي بالحج، واشترطي: أن محلي حيث تحبسني". قال: فأدركت ].


[ ص: 320 ] (الشرح)

(عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن ضباعة ) بضاد معجمة مضمومة. ثم موحدة مخففة.

(بنت الزبير بن عبد المطلب ) كما ذكره مسلم هاهنا. قال الشافعي : كنيتها: (أم حكيم).

وهي بنت عم النبي -صلى الله عليه وسلم -. أبوها: الزبير بن عبد المطلب بن هاشم .

قال في (النيل): ووهم ( الغزالي ) فقال: الأسلمية. وتعقبه النووي وقال: صوابه: (الهاشمية). انتهى.

قلت: وعبارة النووي هكذا: وأما قول صاحب (الوسيط): هي ضباعة الأسلمية فغلط فاحش. والصواب: الهاشمية .

(أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني امرأة ثقيلة. وإني أريد الحج. فما تأمرني؟ قال: "أهلي بالحج، واشترطي: أن محلي) بفتح الميم وكسر المهملة. أي: مكان إحلالي: (حيث تحبسني، قال: فأدركت) . أي: الحج.

ولم تتحلل حتى فرغت منه.

[ ص: 321 ] (والحديث) دليل لمن قال: يجوز: أن يشترط الحاج والمعتمر في إحرامه: أنه إن مرض تحلل .

وهو قول عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن مسعود ، وآخرين من الصحابة، وجماعة من التابعين، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور . وهو الصحيح من مذهب الشافعي .

وحجتهم: هذا الحديث الصحيح الصريح.

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وبعض التابعين: لا يصح الاشتراط. وحملوا الحديث على أنها قضية عين. وأنه مخصوص بضباعة.

قال النووي : وأشار ( عياض ) إلى تضعيف الحديث. فإنه قال: قال الأصيلي: لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح.

قال النسائي : لا أعلم أحدا أسنده عن الزهري ، غير معمر .

وهذا الذي عرض به القاضي ، وقال به الأصيلي ، من تضعيف الحديث: غلط فاحش جدا. نبهت عليه، لئلا يغتر به، لأن هذا الحديث مشهور في صحيح البخاري ، ومسلم ، وسنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وسائر كتب الحديث المعتمدة، من طرق متعددة، بأسانيد كثيرة، عن جماعة من الصحابة. وفيما ذكره ( مسلم ) ، من تنويع طرقه: أبلغ كفاية.

وفي هذا الحديث: دليل على أن المرض لا يبيح التحلل ، إذا لم يكن اشتراط في حال الإحرام. والله أعلم.

[ ص: 322 ] هذا آخر كلام النووي .

وقال في (النيل): قال العقيلي : روي عن ابن عباس : قصة ( ضباعة ) بأسانيد ثابتة جياد. انتهى.

وقال الشافعي : لو ثبت حديث ( عائشة ) في الاستثناء، لم أعده إلى غيره، لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.

قال البيهقي : فقد ثبت هذا الحديث من أوجه.

قال شيخنا وبركتنا "رضي الله عنه" في: (شرح المنتقى): وأحاديث الباب، تدل على أن من اشترط هذا الاشتراط، ثم عرض له ما يحبسه عن الحج: جاز له التحلل. وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط . وبه قال جماعة من (الصحابة). وسماهم.

وقال جماعة: لا يصح الاشتراط.

قال العلامة ( الشوكاني ) رحمه الله: واعتذروا عن ذلك بأنها: قصة عين، وأنها مخصوصة بضباعة . وهو ينزل على الخلاف المشهور في الأصول، في خطابه -صلى الله عليه وسلم - لواحد، هل يكون غيره فيه مثله أم لا؟

وادعى بعضهم: أن الاشتراط منسوخ. روي ذلك عن ( ابن عباس ) لكن بإسناد فيه: ( الحسن بن عمارة ) ، وهو متروك.

وادعى بعض: أنه لم يثبت. وتقدم الجواب عنه. انتهى.

وبالجملة؛ فالمسألة محققة. والقول بها واجب. والعمل بمقتضاها [ ص: 323 ] ثابت، لا سبيل إلى إنكارها، بعد ما ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم -. وصح في صحيح مسلم وغيره.

والحديث: يرد على من خالفه، كائنا من كان. وأينما كان من الرتبة العالية ورفعة الشأن.

التالي السابق


الخدمات العلمية