السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2012 باب ما يجتنب المحرم من اللباس

وهو في النووي في الباب المتقدم.

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 72 - 73 ج 8 المطبعة المصرية

[حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك، ، عن نافع، ، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) ؛ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف. إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين. وليقطعهما أسفل من الكعبين. ولا تلبسوا من الثياب شيئا، مسه الزعفران ولا الورس" ].


[ ص: 330 ] (الشرح)

(عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين. وليقطعهما أسفل من الكعبين") .

قال النووي : قال العلماء: هذا من بديع الكلام وجزله. فإنه -صلى الله عليه وسلم -، سئل عما يلبسه المحرم؟ فقال: لا يلبس كذا وكذا. فحصل في الجواب أنه: لا يلبس المذكورات، ويلبس ما سوى ذلك. وكان التصريح مما لا يلبس أولى، لأنه منحصر.

وأما الملبوس الجائز للمحرم، فغير منحصر.

فضبط الجميع بقوله -صلى الله عليه وسلم -: (لا يلبس كذا وكذا). يعني: ويلبس ما سواه. انتهى.

قال البيضاوي: سئل عما يلبس؟ فأجاب بما ليس يلبس. ليدل بالالتزام من طريق المفهوم، على ما لا يجوز. وإنما عدل عن الجواب لأنه أخصر.

[ ص: 331 ] وفيه: إشارة، إلى أن حق السؤال: أن يكون عما لا يلبس. لأنه الحكم العارض في الإحرام، المحتاج إلى بيانه. إذ الجواز ثابت بالأصل، معلوم بالاستصحاب. فكان اللائق: السؤال عما لا يلبس.

وقال غيره: هذا شبه الأسلوب الحكم. ويقرب منه قوله تعالى:

( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم ) إلخ. فعدل عن جنس المنفق، وهو المسؤول عنه: إلى جنس المنفق عليه، لأنه الأهم.

قال ابن دقيق العيد : يستفاد منه: أن المعتبر في الجواب، ما يحصل به المقصود، كيف كان. ولو بتغيير أو زيادة. ولا يشترط المطابقة. انتهى.

قال في (شرح المنتقى): وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل، فلا يلحق به المرأة.

قال ابن المنذر : أجمعوا على: أن للمرأة لبس جميع ذلك. وإنما تشترك مع الرجل، في منع الثوب الذي مسه الزعفران، أو الورس. وسيأتي الكلام على ذلك.

قال عياض : أجمع المسلمون، على أن ما ذكر في هذا الحديث، لا يلبسه المحرم. وقد نبه بالقميص والسراويل: على كل مخيط. وبالعمائم والبرانس: على غيره. وبالخفاف: على كل ساتر. انتهى. ومثله في النووي (رحمه الله) ، مع تفصيل هذا المجمل.

[ ص: 332 ] وتقدم الجواب عن ذلك، في الباب المتقدم.

قال النووي : وأما المرأة، فيباح لها ستر جميع بدنها، بكل ساتر من مخيط وغيره؛ إلا ستر وجهها، فإنه حرام بكل ساتر. وفي ستر يديها بالقفازين خلاف للعلماء، أصحها: تحريمه. انتهى.

قال في (شرح المنتقى): (الكعبان) هما: العظمان، الناتئان عند مفصل الساق والقدم. هذا هو المعروف عند أهل اللغة.

واستدل به، على اشتراط (القطع) ، خلافا للمشهور عن أحمد ؛ فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع. واستدل على ذلك، بحديث ابن عباس بلفظ: ومن لم يجد نعلين؛ فليلبس خفين. قال: قلت: ولم يقل: ليقطعهما؟ قال: لا . رواه أحمد ، والدارقطني .

ويجاب عنه: بأن حمل المطلق على المقيد لازم. وهو من جملة القائلين به. وأجاب الحنابلة بجوابات أخر.

وقال في موضع آخر: فيه: أي في قوله: (فليلبس الخفين) دليل على أن واجد النعلين، لا يلبس الخفين المقطوعين . وهو قول الجمهور.

وعن بعض الشافعية : جوازه.

والمراد بالوجدان: القدرة على التحصيل.

[ ص: 333 ] قال: وظاهر الحديث: أنه لا فدية على من لبسهما، إذا لم يجد النعلين.

وعن الحنفية : تجب. وتعقب بأنها: لو كانت واجبة لبينها النبي -صلى الله عليه وسلم -. لأنه وقت الحاجة. وتأخير البيان عنه لا يجوز.

قال ابن قدامة : الأولى: قطعهما. عملا بالحديث الصحيح، وخروجا من الخلاف.

وفي (المنتقي)، تحت حديث ( ابن عباس ) : هذا بظاهره ناسخ لحديث ( ابن عمر ) بقطع الخفين، لأنه قال بعرفات ، في وقت الحاجة. وحديث ابن عمر كان بالمدينة .

وتعقبه شارح (المنتقى) بجوابات، عن أهل العلم. ثم قال: قال ابن الجوزي : يحمل الأمر بالقطع: على الإباحة، لا على الاشتراط. عملا بالحديثين. قال: ولا يخفى أنه متكلف.

والحق: أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد. لإمكان الجمع بينهما: بحمل المطلق على المقيد. والجمع ما أمكن هو الواجب. فلا يصار إلى الترجيح. ولو صار المصير إلى الترجيح، لأمكن ترجيح المطلق بأنه: ثابت من حديث ابن عباس وجابر . ورواية اثنين أرجح من رواية واحد. انتهى.

[ ص: 334 ] (ولا تلبسوا من الثياب شيئا، مسه الزعفران، ولا الورس.) بفتح الواو وسكون الراء: نبت أصفر، طيب الرائحة، يصبغ به.

قال ابن العربي : ليس الورس من الطيب، ولكنه نبه به على: اجتناب الطيب، وما يشبهه في ملاءمة الشم. فيؤخذ منه: تحريم أنواع الطيب على المحرم. وهو مجمع عليه، فيما يقصد به التطيب.

وظاهر قوله: (مسه): تحريم ما صبغ كله أو بعضه. ولكنه لا بد عند الجمهور: من أن يكون للمصبوغ رائحة. فإن ذهبت، جاز لبسه. خلافا لمالك. انتهى.

قال النووي : نبه (بالورس والزعفران): على ما في معناهما. وهو الطيب. فيحرم على الرجل والمرأة جميعا في (الإحرام): جميع أنواع الطيب. والمراد: ما يقصد به الطيب.

وأما الفواكه: كالأترج، والتفاح. وأزهار البراري: كالشيح، والقيصوم، ونحوهما: فليس بحرام. لأنه لا يقصد للطيب.

قال: قال العلماء: والحكمة، في تحريم اللباس المذكور على المحرم، ولباسه الإزار والرداء: أن يبعد عن الترفه. ويتصف بصفة الخاشع الذليل. وليتذكر أنه محرم في كل وقت. فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره، وأبلغ في مراقبته، وصيانته لعبادته، وامتناعه من ارتكاب [ ص: 335 ] المحظورات، وليتذكر به الموت، ولباس الأكفان، ويتذكر البعث يوم القيامة، والناس حفاة عراة، مهطعين إلى الداعي.

والحكمة، في تحريم الطيب والنساء: أن يبعد عن الترفه، وزينة الدنيا، وملاذها. ويجتمع همه لمقاصد الآخرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية