السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2364 باب منه

وذكره النووي في: (الباب المتقدم) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 86-87 ج9 المطبعة المصرية

[عن ابن جريج. قال: قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ولم تؤمروا بدخوله؟ قال: لم يكن ينهى عن دخوله. ولكني سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت، دعا في نواحيه كلها. ولم يصل فيه. حتى خرج، فلما خرج، ركع في قبل البيت ركعتين. وقال: "هذه القبلة".

[ ص: 417 ] قلت له: ما نواحيها:؟ أفي زواياها؟ قال: بل في كل قبلة من البيت].
.


(الشرح)

(عن ابن جريج ، قال: قلت لعطاء: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أمرتم بالطواف ، ولم تؤمروا بدخوله؟. قال: لم يكن ينهى عن دخوله. ولكني سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيد "رضي الله عنه":

أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما دخل البيت: دعا في نواحيه كلها. ولم يصل فيه. حتى خرج. فلما خرج ، ركع في قبل البيت) بضم القاف والباء. ويجوز إسكان الباء ، كما في نظائره.

قيل: معناه: ما استقبلك منها.

وقيل: مقابلها.

وفي رواية في الصحيح: (فصلى ركعتين في وجه الكعبة) . وهذا ، هو المراد (بقبلها) . ومعناه: عند بابها.

ومعنى: (ركع في قبل البيت) : صلى ركعتين .

فيه: دليل ، على أن تطوع النهار ، يستحب أن يكون: مثنى. وبه قال الشافعي ، والجمهور.

وقال أبو حنيفة: أربعة.

(وقال: " هذه القبلة ") .

[ ص: 418 ] قال الخطابي: معناه: أن أمر القبلة ، قد استقر على: استقبال هذا البيت. فلا ينسخ بعد اليوم. فصلوا إليه أبدا.

قال: ويحتمل، أنه علمهم سنة موقف الإمام ، وأنه يقف في وجهها ; دون أركانها وجوانبها. وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزية.

قال النووي: ويحتمل معنى ثالثا. وهو: أن هذه الكعبة ، هي المسجد الحرام ، الذي أمرتم باستقباله. لا كل الحرم ، ولا مكة ، ولا كل المسجد الذي حول الكعبة. بل: هي (الكعبة) نفسها فقط.

والله أعلم.

(قلت له: ما نواحيها؟: أفي زواياها؟ قال: بل في كل قبلة من البيت) .

قال النووي: أجمع أهل الحديث ، على الأخذ برواية بلال ، لأنه مثبت. فمعه زيادة علم. فوجب ترجيحه.

وأما نفي أسامة ، فسببه: أنهم لما دخلوا الكعبة ، أغلقوا الباب ، واشتغلوا بالدعاء. فرأى أسامة: النبي صلى الله عليه وسلم يدعو. ثم اشتغل أسامة بالدعاء، في ناحية من نواحي البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى، وبلال قريب منه ، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرآه بلال لقربه. ولم يره أسامة لبعده ، واشتغاله. وكانت صلاة خفيفة ، فلم يرها أسامة ، لإغلاق الباب ، مع بعده واشتغاله بالدعاء. وجاز له نفيها ، عملا بظنه.

وأما بلال ، فحققها فأخبر بها. والله أعلم. انتهى.

[ ص: 419 ] قلت ذهب جماعة ، من أهل العلم إلى: أن دخول الكعبة مستحب. ويدل على ذلك: ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي ، من حديث ابن عباس: (من دخل البيت ، دخل في جنة ، وخرج مغفورا له) . وفي إسناده: عبد الله بن المؤمل. وهو ضعيف.

ومحل استحبابه ، ما لم يؤذ أحدا بدخوله.

ويدل على الاستحباب أيضا: حديث أسامة بن زيد ، عند أحمد والنسائي. ولفظه:

(دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ، فجلس: فحمد الله وأثنى عليه. وكبر وهلل. ثم قام إلى ما بين يديه من البيت ، فوضع صدره عليه ، وخده ويديه ، ثم هلل وكبر ودعا. ثم فعل ذلك بالأركان كلها. ثم خرج ، فأقبل على القبلة ، وهو على الباب ، فقال: " هذه القبلة. هذه القبلة". مرتين أو ثلاثا) .

وحديث عبد الرحمن بن صفوان:

قال: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، انطلقت فوافقته قد خرج من الكعبة ، وأصحابه قد استلموا البيت: من الباب إلى الحطيم ، وقد وضعوا خدودهم على البيت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وسطهم) . رواه أحمد ، وأبو داود.

وفي هذين الحديثين: من الفوائد ، ما يكثر ويطول.

[ ص: 420 ] ومن دخلها ، ينبغي له: أن يفعل ما في هذين الحديثين: من الأفعال المأثورة المسنونة. ولا يزيد عليها ، ولا ينقص منها.

وفي حديث (عائشة) ، الذي سبقت الإشارة إليه: (وددت أني لم أكن فعلت إلخ) : دليل على أن دخول الكعبة ، ليس من مناسك الحج. وهو مذهب الجمهور.

وحكى القرطبي ، عن بعض العلماء ، أن دخولها: من المناسك. والحديث يرد عليه.

والحق: ما ذهب إليه الجمهور. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية