السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2286 [ ص: 538 ] باب رمي جمرة العقبة يوم النحر، على الراحلة

وقال النووي: (باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم : لتأخذوا مناسككم) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 44 - 45 ج 9 المطبعة المصرية

[عن ابن جريج. أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: "لتأخذوا مناسككم. فإني لا أدري! لعلي لا أحج بعد حجتي هذه" ].


(الشرح)

(عن جابر) " رضي الله عنه " (قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، يرمي على راحلته يوم النحر) .

قال في (شرح المنتقى) : استدل به على: أن رمي الراكب لجمرة العقبة ، أفضل من رمي الراجل. وبه قالت الشافعية ، والحنفية.

وقيل: إن رمي الراجل أفضل. وأجيب عن الحديث: بأنه صلى الله عليه وسلم كان راكبا ، لعذر الازدحام. انتهى.

قال النووي: فيه: أنه يستحب لمن وصل (منى) راكبا ، أن يرمي [ ص: 539 ] جمرة العقبة يوم النحر راكبا. ولو رماها ماشيا جاز. وأما من وصلها ماشيا ، فيرميها ماشيا. وهذا في يوم النحر.

وأما اليومان الأولان من أيام التشريق ; فالسنة: أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشيا.

وفي اليوم الثالث ، يرمي راكبا وينفر.

قال: هذا كله ، مذهب مالك والشافعي وغيرهما.

وقال أحمد وإسحاق: يستحب يوم النحر ، أن يرمي ماشيا.

قال ابن المنذر: وكان ابن عمر ، وابن الزبير ، وسالم ، يرمون مشاة.

قال: وأجمعوا على أن الرمي ، يجزيه على أي حال رماه ، إذا وقع في المرمى.

(ويقول: " لتأخذوا ") بكسر اللام.

قال النووي: هي لام الأمر. ومعناه: (خذوا) . وهكذا وقع في رواية غير مسلم ، قال القرطبي " رحمه الله ": روايتنا لهذا الحديث بالنون.

أي: يقول لنا: " خذوا ". فيكون (لنا) صلة للقول. قال: وهو الأفصح. وقد روي (لتأخذوا) بالتاء ، وهي لغة شاذة ، قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في قوله تعالى: (فبذلك فلتفرحوا) . انتهى.

قال في (النيل) : والأولى أن يقال: إنها قليلة ، لا شاذة ، لورودها [ ص: 540 ] في كتاب الله ، وفي كلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي كلام فصحاء العرب.

(مناسككم) .

قال النووي: وتقدير الحديث: أن هذه الأمور ، التي أتيت بها في حجي: من الأقوال، والأفعال ، والهيئات ، هي أمور الحج وصفته. وهي مناسككم ، فخذوها عني ، واقبلوها واحفظوها ، واعملوا بها ، وعلموها الناس.

قال: وهذا الحديث ، أصل عظيم في مناسك الحج. وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (صلوا كما رأيتموني أصلي) . انتهى.

قلت: واللازم من هذين الأصلين: أن الأصل الأصيل ، والأس الجليل ، في أفعال الحج والصلاة: هو الوجوب ، إلا ما خرج بدليل.

وبهذا قال أهل الظاهر ، وحكي عن الشافعي ، ورجحه القاضي الشوكاني في مواضع من مؤلفاته ، وهو الحق الحقيق بالقبول والاتباع.

(فإني لا أدري ! لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) .

فيه: إشارة إلى توديعهم ، وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم ، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه ، وانتهاز الفرصة من ملازمته ، وتعلم أمور الدين ، وبهذا سميت: (حجة الوداع) .

التالي السابق


الخدمات العلمية