السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
176 [ ص: 270 ] (باب من عمل برا في الجاهلية ثم أسلم)

وقال النووي: "باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم (النووي ص 140-141 ج2، المطبعة المصرية)

[أخبرني عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله، أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما أسلفت من خير
(الشرح)

(عن عروة بن الزبير رضي الله عنه؛ "أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله، أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية").

أي: أتعبد بها. "والتحنث، هو التعبد. كما فسره في الحديث الآخر بقوله: "والتحنث: التعبد". وفسره في الرواية الأخرى "بالتبرر" وهو فعل "البر": وهو الطاعة.

قال أهل اللغة: أصل التحنث أن يفعل فعلا، يخرج به من الحنث؛ وهو الإثم، وكذا "تأثم"، "وتحرج"، "وتهجد" أي فعل فعلا يخرج به من الإثم، والحرج، والهجود.

[ ص: 271 ] "من صدقة، أو عتاقة، أو صلة رحم، أفيها أجر؟"، وفي رواية: "هل لي فيها من شيء؟".

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير").

وفي رواية عنه بلفظ "قال: قلت: يا رسول الله! أشياء كنت أفعلها في الجاهلية؛ "قال هشام": يعني أتبرر بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت لك من الخير "قلت": والله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله.

قال المازري: ظاهره خلاف ما تقتضيه الأصول؛ لأن الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب على طاعته. ويصح أن يكون مطيعا، غير متقرب كنظره في الإيمان؛ فإنه مطيع فيه؛ من حيث كان موافقا للأمر. والطاعة عندنا موافقة الأمر. ولكنه لا يكون متقربا؛ لأن شرط المتقرب أن يكون عارفا بالمتقرب إليه. وهو حين نظره لم يحصل له العلم بالله.

[ ص: 272 ] قال: فالحديث متأول، يحتمل وجوها. فذكرها، ولا تخلو عن بعد. وذهب ابن بطال، وغيره من المحققين؛ إلى أن الحديث على ظاهره، وأنه إذا أسلم الكافر، ومات على الإسلام، يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر؛ لحديث أبي سعيد الخدري يرفعه "إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه، كتب الله تعالى له كل حسنة زلفها، ومحا عنه كل سيئة زلفها، وكان عمله بعد، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها، إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى.

رواه الدارقطني.

قال: ولله تعالى أن يتفضل على عباده ما يشاء، لا اعتراض لأحد عليه.

قال: وهو كقوله لحكيم بن حزام "أسلمت على ما أسلفت من خير" والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية