السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2295 [ ص: 546 ] باب في الحلاق والتقصير

وهو في النووي في الباب المتقدم.

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 51 ج 9 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر للمحلقين" قالوا: يا رسول الله! وللمقصرين؟ قال: "اللهم! اغفر للمحلقين"

قالوا: يا رسول الله! وللمقصرين؟ قال: "اللهم! اغفر للمحلقين"

قالوا: يا رسول الله! وللمقصرين؟ قال: "وللمقصرين".]
.


(الشرح)

(عن أبي هريرة) " رضي الله عنه " ; (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم ! اغفر للمحلقين ". ولفظ أبي داود: (ارحم) .

وفيه: دليل على الترحم على الحي ، وعدم اختصاصه بالميت.

(قالوا: يا رسول الله ! وللمقصرين ؟ قال: " اللهم ! اغفر للمحلقين " قالوا: يا رسول الله ! وللمقصرين ؟ قال: " اللهم ! اغفر للمحلقين " قالوا: يا رسول الله ! وللمقصرين ؟ قال: " وللمقصرين ".) .

فيه: تصريح بجواز الاقتصار على أحد الأمرين: إن شاء اقتصر على الحلق ، وإن شاء على التقصير.

[ ص: 547 ] وقد أجمع العلماء على ذلك. إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري:

أنه كان يقول: يلزمه الحلق في أول حجة ، ولا يجزيه التقصير.

قال النووي. وهذا " إن صح عنه " ، مردود بالنصوص ، وإجماع من قبله.

قال في (شرح المنتقى) : فيه دلالة على أن الحلق أفضل من التقصير ; لتكريره صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين ، وترك الدعاء للمقصرين: في المرة الأولى والثانية ، مع سؤالهم له ذلك.

وظاهر صيغة المحلقين: أنه يشرع حلق جميع الرأس ، لأنه الذي تقتضيه الصيغة. إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه: إنه حلقه ، إلا مجازا.

وقد قال " بوجوب حلق الجميع ": أحمد ، ومالك.

واستحبه الكوفيون ، والشافعي ، ويجزي البعض عندهم. واختلفوا في مقداره.

فعن الحنفية: الربع. إلا أن أبا يوسف قال: النصف.

وعن الشافعي: أقل ما يجب: حلق ثلاث شعرات. وفي وجه: شعرة واحدة. وهكذا الخلاف في التقصير. انتهى.

قال النووي: يستحب أن لا ينقص في التقصير عن قدر الأنملة ، من أطراف الشعر. فإن قصر دونها جاز. لحصول اسم التقصير. [ ص: 548 ] والمشروع في حق النساء: التقصير. ويكره لهن الحلق. فلو حلقن حصل النسك.

ويقوم مقام الحلق والتقصير: النتف ، والإحراق ، والقص ، وغير ذلك ، من أنواع إزالة الشعر.

ووجه فضيلة الحلق على التقصير: أنه أبلغ في العبادة. وأدل على صدق النية في التذلل لله تعالى. ولأن المقصر مبق على نفسه الشعر ، الذي هو زينة ، والحاج مأمور بترك الزينة. بل هو أشعث وأغبر.

والأفضل في الحلق والتقصير: أن يكون بعد رمي جمرة العقبة ، وبعد ذبح الهدي إن كان معه ، وقبل طواف الإفاضة. وسواء كان قارنا أو مفردا.

وقال ابن الجهم المالكي: لا يحلق القارن حتى يطوف ويسعى.

قال النووي: وهذا باطل ، مردود بالنصوص وإجماع من قبله.

وقد ثبتت الأحاديث: بأن النبي صلى الله عليه وسلم ، حلق قبل طواف الإفاضة. وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم ، كان قارنا في آخر أمره.

ولو لبد المحرم ، فالصحيح المشهور من مذهب الشافعية: أنه يستحب له حلقه في وقت الحلق. ولا يلزمه ذلك.

وقال جمهور العلماء: يلزمه حلقه. انتهى.

قال في (شرح المنتقى) : وقد اختلف في الوقت ، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول ; [ ص: 549 ] فقيل: إنه كان يوم الحديبية.

وقيل: في حجة الوداع.

وقد دلت على الأول: أحاديث. وعلى الثاني: أحاديث.

وقيل: إنه كان في الموضعين. أشار إلى ذلك النووي. وبه قال ابن دقيق العيد. قال الحافظ: وهو المتعين لتضافر الروايات بذلك في الموضعين.

وهذا هو الراجح ، لأن الروايات القاضية: بأن ذلك كان في الحديبية ; لا تنافي الروايات القاضية: بأن ذلك كان في حجة الوداع. وكذلك العكس. فيتوجه العمل بها في جميعها. والجزم بما دلت عليه.

وقد أطال صاحب (الفتح) الكلام ، في تعيين وقت هذا القول ، فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث ، فليرجع إليه. انتهى.

قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية: هو المحفوظ.

قال عياض: ذكر مسلم في الباب ، خلاف ما قالوه. وإن كانت أحاديثه: جاءت مجملة ، غير مفسرة موطن ذلك.

وقد جاء الأمر في حديث: (أم الحصين) ، في باب رمي الجمرة: مفسرا أنه في حجة الوداع. فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله في الموضعين. والله أعلم.

[ ص: 550 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية