السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2302 [ ص: 553 ] باب من حلق قبل النحر ، أو نحر قبل الرمي

وقال النووي: (باب جواز تقديم الذبح على الرمي ، والحلق على الذبح وعلى الرمي. وتقديم الطواف عليها كلها) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 55-56 ج والمطبعة المصرية

[عن ابن شهاب. حدثني عيسى بن طلحة التيمي، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فطفق ناس يسألونه، فيقول القائل منهم: يا رسول الله! إني لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل الرمي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارم ولا حرج" قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر. فيقول: "انحر ولا حرج" قال: فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض، وأشباهها، إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا ذلك ولا حرج" .


(الشرح)

(عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما: (قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ، فطفق ناس يسألونه) . [ ص: 554 ] وفي رواية: (بينا هو يخطب يوم النحر ، فقام إليه رجل) .

وفي رواية: (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه ، فجاء رجل) .

وفي رواية: (هو واقف عند الجمرة) .

قال بعضهم: الجمع بين هذه الروايات: أنه موقف واحد.

ومعنى (خطب) : علمهم. قال عياض: ويحتمل أن ذلك في موضعين;

أحدهما: وقف على راحلته عند الجمرة. ولم يقل في هذا: (خطب) .

إنما فيه: أنه: وقف وسئل.

والثاني: بعد صلاة الظهر يوم النحر: وقف للخطبة فخطب. " وهي إحدى خطب الحج المشروعة " يعلمهم فيها: ما بين أيديهم من المناسك. انتهى.

قال النووي: هذا الاحتمال الثاني ، هو الصواب.

قال: وخطب الحج المشروعة عندنا أربع ;

أولها: بمكة عند الكعبة ، في اليوم السابع من ذي الحجة.

والثانية: بنمرة يوم عرفة.

والثالثة: بمنى يوم النحر.

[ ص: 555 ] والرابعة: بمنى في الثاني من أيام التشريق.

وكلها: خطبة فردة ، وبعد صلاة الظهر. إلا التي (بنمرة) فإنها: خطبتان ، وقبل صلاة الظهر ، وبعد الزوال.

قال: وقد ذكرت أدلتها كلها من الأحاديث الصحيحة ، في (شرح المهذب) .

وفي الحديث: دليل لجواز القعود على الراحلة للحاجة.

(فيقول القائل منهم: يا رسول الله ! إني لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل الرمي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فارم ولا حرج ".

قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق ، فحلقت قبل أن أنحر. فيقول: " انحر ولا حرج ".

قال: فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر ، مما ينسى المرء ويجهل: من تقديم بعض الأمور قبل بعض ، وأشباهها ، إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افعلوا ذلك ولا حرج ") .

وفي رواية: (يا رسول الله ! لم أشعر ، حلقت قبل أن أنحر. فقال: " اذبح ولا حرج ". ثم جاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله: ! لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي. فقال: " ارم ولا حرج".

[ ص: 556 ] قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر ، إلا قال: " افعل ولا حرج ".)
وفي أخرى: (حلقت قبل أن أرمي. فقال: " ارم ولا حرج ") .

وفي أخرى: (قيل له: في الذبح ، والحلق ، والرمي ، والتقديم ، والتأخير ، فقال: " لا حرج".) .

ومعنى هذه العبارة: افعل ما بقي عليك ، وقد أجزأك ما فعلته ، ولا حرج عليك ; في التقديم والتأخير.

وقد سبق: أن أفعال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة ، ثم الذبح ، ثم الحلق ، ثم طواف الإفاضة. وأن السنة ترتيبها هكذا. فلو خالف ; وقدم بعضها على بعض ، جاز ولا فدية عليه. لهذه الأحاديث.

قال النووي: وبهذا قال جماعة من السلف. وهو مذهب الشافعي.

قلت: وهو إجماع. كما قال ابن قدامة في (المغني) .

قال (في فتح الباري) : إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم ، في بعض المواضع. قال القرطبي: روي عن ابن عباس " ولم يثبت عنه ": أن من قدم شيئا على شيء ، فعليه دم. وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، والحسن ، والنخعي ، وأصحاب الرأي.

[ ص: 557 ] وتعقبه الحافظ: بأن نسبة ذلك: إلى النخعي وأصحاب الرأي ، فيها نظر.

قال: وذهب جمهور العلماء: من الفقهاء ، وأهل الحديث: إلى الجواز ، وعدم وجوب الدم.

قالوا: لأن قوله: (ولا حرج) ، يقتضي: رفع الإثم والفدية معا.

لأن المراد بنفي الحرج: نفي الضيق. وإيجاب أحدهما ، فيه ضيق.

ولو كان الدم واجبا ، لبينه صلى الله عليه وسلم .لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة; لا يجوز.

وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي: من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا أو ناسيا ، لا من كان عامدا: فعليه الفدية.

قال الطبري: لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج ، إلا وقد أجزأ الفعل. إذ لو لم يجزئ ، لأمره بالإعادة.

قال: والعجب ممن يحمل قوله: (ولا حرج) ، على نفي الإثم فقط ، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض.

فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم ، فليكن في الجميع.

وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض ، مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج؟ انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية