السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2320 باب الصدقة بلحوم الهدي ، وجلالها ، وجلودها

وقال النووي: (باب الصدقة: بلحوم الهدايا... إلخ) . وزاد: (ولا يعطي الجزار منها شيئا. وجواز الاستنابة في القيام عليها) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 64 ج9 المطبعة المصرية

[عن علي. قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها. وأن لا أعطي الجزار منها. قال: (نحن نعطيه من عندنا) . ].


[ ص: 580 ] (الشرح)

(عن علي) رضي الله عنه ، (قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أقوم على بدنه) .

قال أهل اللغة ; سميت (البدنة) : لعظمها. ويطلق: على الذكر ، والأنثى. ويطلق: على الإبل ، والبقر ، والغنم. هذا قول أكثر أهل اللغة.

ولكن معظم استعمالها في الأحاديث ، وكتب الفقه: (في الإبل خاصة) .

قاله النووي.

وفي حديث جابر عند مسلم: (وما هي إلا من البدن) . يعني: البقرة.

وفي (النهاية) : البدنة: تقع على الجمل والناقة ، وهي بالإبل أشبه.

وفي القاموس: (البدنة) محركة: من الإبل والبقر.

وعن الشافعي: تختص بالإبل.

وعن أبي حنيفة ، وأصحابه: أنها تطلق على البقر.

وعن بعض الشافعية: أنها تطلق على الشاة. وقال الحافظ في (الفتح) :

ولا وجه له. انتهى.

ومعنى: (أقوم على بدنه) . أي: عند نحرها للاحتفاظ بها.

ويحتمل أن يريد: ما هو أعم من ذلك. أي: على مصالحها في علفها ، ورعيها ، وسقيها ، وغير ذلك.

[ ص: 581 ] ولم يقع في هذه الرواية: عدد البدن. ووقع في أخرى للبخاري وغيره: أنها مائة بدنة.

(وأن أتصدق بلحمها ، وجلودها ، وأجلتها) . جمع: (جلال) بضم الجيم وتخفيف اللام. وهو ما يطرح على ظهر البعير: من كساء ونحوه. ويجمع أيضا على: (جلال) بكسر الجيم.

(وأن لا أعطي الجزار منها شيئا. قال: "نحن نعطيه من عندنا ") .

وفيه: استحباب سوق الهدي. وجواز النيابة في نحره ، والقيام عليه ، وتفرقته. وأنه يتصدق بلحومها ، وجلودها ، وجلالها.

وأنها تجلل. واستحبوا: أن يكون جلا حسنا ،

وأن لا يعطى الجزار " لأجل الجزارة " منها ألبتة. لا لغير ذلك. لأن عطيته عوض عن عمله ، فيكون في معنى بيع جزء منها. وذلك لا يجوز.

قال ابن خزيمة: المراد أنه يقسمها كلها على المساكين ، إلا ما أمره به: من أن يأخذ من كل بدنة بضعة ، كما تقدم في حديث جابر الطويل.

وفيه: جواز الاستئجار ، على النحر ونحوه.

قال النووي: ومذهبنا: أنه لا يجوز بيع جلد الهدي ، ولا الأضحية ، [ ص: 582 ] ولا شيء من أجزائهما ، لأنها لا ينتفع بها في البيت ، ولا بغيره. سواء كانا تطوعا أو واجبتين. لكن إن كانا تطوعا ، فله الانتفاع بالجلد ، وغيره: باللبس وغيره.

ولا يجوز إعطاء الجزار منها شيئا ، بسبب جزارته.

قال: هذا مذهبنا. وبه قال عطاء ، والنخعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق.

وحكى ابن المنذر: عن ابن عمر ، وأحمد ، وإسحاق: أنه لا بأس ببيع جلد هديه ، ويتصدق بثمنه.

قال: ورخص في بيعه أبو ثور.

وقال النخعي ، والأوزاعي: لا بأس أن يشتري به الغربال ، والمنخل ، والفأس ، والميزان ، ونحوها.

وقال الحسن البصري: يجوز أن يعطي الجزار جلدها. وهذا منابذ للسنة.

قال عياض: التجليل سنة ، وهو عند العلماء: مختص بالإبل.

وهو ما اشتهر من عمل السلف.

قال: وممن رآه: مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وإسحاق. قالوا: ويكون بعد الإشعار ، لئلا يتلطخ بالدم.

[ ص: 583 ] قالوا: ويستحب أن يكون قيمتها ، ونفاستها ، بحسب حال المهدي.

وكان بعض السلف يجلل بالوشي. وبعضهم بالحبرة. وبعضهم بالقباطي والملاحف والأزر.

قال مالك: وتشق على الأسنمة ، إن كانت قليلة الثمن ، لئلا تسقط.

قال: وما علمت من ترك ذلك ، إلا ابن عمر استبقاء للثياب ، لأنه كان يجلل الجلال المرتفعة: من الأنماط ، والبروز ، والحبر.

قال: وكان لا يجلل ، حتى يغدو من منى إلى عرفات.

قال: وروي عنه ، أنه كان يجلل من ذي الحليفة.

وكان يعقد أطراف (الجلال) ، على أذنابها. فإذا مشى ليلة نزعها.

فإذا كان يوم عرفة جللها. فإذا كان عند النحر نزعها: لئلا يصيبها الدم.

قال مالك: أما الجل فينزع في الليل ، لئلا يخرقها الشوك.

قال: واستحب إن كانت الجلال مرتفعة: أن يترك شقها. وأن لا يجللها حتى يغدو إلى عرفات.

فإن كانت بثمن يسير ، فمن حين يحرم: يشق ويجلل.

قال عياض: وفي شق (الجلال) على الأسنمة ، فائدة أخرى ; وهي: إظهار الإشعار ، لئلا يستتر تحتها.

[ ص: 584 ] قال النووي: وفي هذا الحديث: الصدقة بالجلال. وهكذا قاله العلماء.

وكان ابن عمر أولا: يكسوها الكعبة ، فلما كسيت الكعبة تصدق بها. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية