السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
209 (باب بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين)

ووافقه النووي في الترجمة، سواء بسواء.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 176 ج2 المطبعة المصرية

[عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها


[ ص: 275 ] (الشرح)

(عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي قال: "إن الإسلام بدأ غريبا).

قال مالك: يعني في المدينة، "وسيعود" يعني: إليها "غريبا كما بدأ" وقال عياض: ظاهر الحديث العموم، وأن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة، ثم انتشر، ثم سيلحقه النقص والإخلال، حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ. وجاء في الحديث تفسير "الغرباء" وهم "النزاع" من القبائل، انتهى.

وفي حديث أبي هريرة يرفعه، عند مسلم أيضا "فطوبى للغرباء، "وطوبى": "فعلى"، من "الطيب" قاله الفراء. قال: وفيها "لغتان": تقول العرب: طوباك، وطوبى لك: ومعناه: فرح، وقرة عيني.

وقال عكرمة: نعم ما لهم.

وقال الضحاك: غبطة لهم.

وقال قتادة: حسنى لهم. وقال أيضا: أصابوا خيرا.

وقال إبراهيم: خير لهم وكرامة.

وقال ابن عجلان: دوام الخير. وقيل: الجنة. وقيل: شجرة في الجنة. وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث.

"وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها"، أي: ينضم ويجتمع بين مسجدي مكة والمدينة. وظاهره أن يكون هذا الأمر في آخر الزمان، عند قرب الساعة.

[ ص: 276 ] "وفيه" دلالة على بقاء الإسلام إلى آخر الدهر؛ وأن يصير غريبا ويعود عزيزا، وأن الحرمين موضع ضمه واجتماعه في ذلك الوقت.

وهذا الوقت لم يأت إلى الآن: مع أن الإسلام صار غريبا، وأي غريب! وفي حديث عمرو بن عوف "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين "في" الحجاز معقل الأدوية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا، فطوبى للغرباء الذين يضحون ما أفسد الناس من بعدي: من سنتي". رواه الترمذي.

قال في "المرقاة": الحجاز اسم لمكة والمدينة وحواليهما، من البلاد.

"وليعقلن" وجواب قسم محذوف. أي: والله ليعتصمن الدين، "والأروية" الأنثى من المعز الجبلي "والمعقل" مصدر ميمي بمعنى العقل.

والمعنى: أن الدين في آخر الزمان عند ظهور الفتن، يعود إلى الحجاز كما بدأ منه انتهى.

وهذا المعنى قد يقال: يوجد في هذا الزمان. فإن بلاد البسيطة أجمعها؛ [ ص: 277 ] قد "ملئت" بفساد الدين. وإنما عاد الدين في هذا الوقت إلى الحجاز.

ومنه "قطر اليمن الميمون" فقد خرج منه جماعة من أهل العلم بالحديث الذين أصلحوا ما أفسد الناس، من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه بقية من أهلها إلى الآن.

وإطلاق "الغربة" على هذا النوع من أهل العلم والدين. ثم تبشيرهم بقوله: "طوبى للغرباء" نعمة، وأي نعمة! اللهم اجعلنا من زمرتهم، واحشرنا معهم.

ويدل له حديث ابن عمر يرفعه: "إن الله لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد - على ضلالة. الحديث" رواه الترمذي.

وفي حديث أبي هريرة مرفوعا: "من تمسك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد" بيض له في "المشكاة"، وقال في الحاشية: رواه البيهقي في كتاب "الزهد" له من حديث ابن عباس.

وفي حديثه أيضا يرفعه "إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك. ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا" رواه الترمذي.

وفي الباب أحاديث كلها تدل على غربة الإسلام في آخر الزمان، وعلى بشارة الغرباء على تمسكهم بالسنة. فطوبى لهم وحسن مآب!

التالي السابق


الخدمات العلمية