السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2422 باب تحريم المدينة، وصيدها وشجرها، والدعاء لها

وقال النووي: (باب فضل المدينة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان: تحريمها، وتحريم صيدها، وشجرها. وبيان: حدود حرمها ).

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص134-135 ج9 المطبعة المصرية

[عن عباد بن تميم، عن عمه: عبد الله بن زيد بن عاصم ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لأهلها. وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة. وإني دعوت في صاعها ومدها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة" . ].


[ ص: 40 ] (الشرح)

(عن عبد الله بن زيد بن عاصم ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبراهيم حرم مكة". )

هذا يدل على: أن تحريم مكة، إنما هو كان في زمن إبراهيم عليه السلام. والصحيح: أنه كان يوم خلق الله السماوات والأرض. كما في حديث ابن عباس (عند مسلم ) يرفعه، بلفظ:

(إن هذا البلد، حرمه الله، يوم خلق السماوات والأرض. فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ) الحديث.

وفي الأحاديث الأخرى، التي ذكرها مسلم: إن إبراهيم حرم مكة. منها: حديث الباب. فظاهرها الاختلاف.

وفي المسألة خلاف مشهور، ذكره الماوردي في (الأحكام السلطانية )، وغيره من أهل العلم، في وقت تحريم مكة. فقيل: ما قلنا.

وقيل: ما زالت حلالا كغيرها، إلى زمن إبراهيم عليه السلام، ثم ثبت له التحريم من زمنه (عليه السلام ). وهذا القول: يوافق هذا الحديث.

والقول الأول: يوافق الحديث الأول. وبه قال الأكثرون.

[ ص: 41 ] وأجابوا عن هذا الحديث: بأن تحريمها كان قديما، ثم خفي واستمر خفاؤه إلى زمن إبراهيم، فأظهره وأشاعه، لا أنه ابتدأه.

ومن قال بالثاني، أجاب عن الأول: بأن معناه: أن الله كتب في اللوح المحفوظ، أو في غيره، (يوم خلق الله السماوات والأرض ): أن إبراهيم، سيحرم مكة بأمر الله تعالى.

قال النووي: وذكروا في تحريم إبراهيم احتمالين ;

أحدهما: أنه حرمها بأمر الله له بذلك، لا باجتهاده، فلهذا أضاف التحريم إليه تارة، وإلى الله تعالى تارة.

والثاني: أنه دعا لها، فحرمها الله تعالى بدعوته، فأضيف التحريم إليه لذلك.

(ودعا لأهلها ).

وهذا الدعاء، هو الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام، في كتابه العزيز، كما قال:

وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر .

إلى غير ذلك، من الدعوات: المحكية في القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم. [ ص: 42 ] (وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة ).

وذكر مسلم الأحاديث التي بعده بمعناه. وهي حجة ظاهرة للشافعي، ومالك، ومرافقيهما: في تحريم صيد المدينة، وتنفيره، وخبط شجرها وعضده.

وبه قال أحمد وجمهور أهل العلم ; من أن للمدينة حرما، كحرم مكة: يحرم صيده، وشجره.

وأباح أبو حنيفة ذلك، (والأحاديث ترد عليه ). واستدلوا بحديث: "يا أبا عمير، ما فعل التغير ؟ ".

وأجيب عنه: بأن ذلك، كان قبل تحريم المدينة. أو أنه من صيد الحل، لا من حرم المدينة.

قال النووي: وهذا الجواب، لا يلزمهم على أصولهم، لأن مذهب الحنفية: أن صيد الحل، إذا أدخله الحلال إلى الحرم: ثبت له حكم الحرم. ولكن أصلهم هذا ضعيف، فيرد عليهم بدليله.

والمشهور من مذهب مالك، والشافعي، والجمهور: أنه لا ضمان في صيد المدينة، وشجرها. بل هو حرام بلا ضمان. لأنه ليس بمحل النسك، فأشبه الحمى.

وقال ابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء، كحرم مكة. وبه قال بعض المالكية.

[ ص: 43 ] وللشافعي قول قديم: أنه يسلب القاتل، لحديث سعد بن أبي وقاص. ذكره مسلم بعد هذا.

قال عياض: لم يقل بهذا القول أحد بعد الصحابة، إلا الشافعي في قوله القديم. انتهى.

قلت: وهو الذي يترجح، وإليه ذهب شارح المنتقى وغيره: من أهل العلم بالحديث. وهو ظاهر قوله: "كما حرم إبراهيم مكة".

(وإني دعوت في صاعها ومدها، بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ).

وفي رواية أخرى: (مثل ما دعا ).

وسيأتي هذا الدعاء (إن شاء الله تعالى ) بعد ذلك، في حديث آخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية