السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2426 [ ص: 44 ] باب منه

وهو في النووي في الباب المتقدم.

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص134 ج9 المطبعة المصرية

[عن عامر بن سعد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحرم ما بين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها".

وقال: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يدعها أحد رغبة عنها، إلا أبدل الله فيها من هو خير منه. ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها، إلا كنت له شفيعا، أو شهيدا، يوم القيامة"
. ].


(الشرح)

(عن سعد بن أبي وقاص ) "رضي الله عنه" ; (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة" ).

قال أهل اللغة وغريب الحديث: اللابتان: الحرتان. واحدتهما: لابة. وهي الأرض الملبسة حجارة سوداء.

للمدينة لابتان: شرقية، وغربية، وهي بينهما.

[ ص: 45 ] ويقال: لابة. ولوبة. ونوبة بالنون. ثلاث لغات مشهورات.

وجمع اللابة في القلة: لابات. وفي الكثرة: لاب ولوب.

والمراد: تحريم المدينة، ولابتيها.

(أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها ).

صريح في الدلالة لمذهب الجمهور: في تحريم صيد المدينة، وشجرها. وسبق خلاف أبي حنيفة. والحديث حجة عليه.

"العضاه" بالقصر، وكسر العين، وتخفيف الضاد المعجمة: كل شجر فيه شوك. واحدتها: عضاهة. وعضيهة. والله أعلم.

(وقال: المدينة خير لهم ).

فيه: إخبار بخيرية هذه البلدة المباركة. يعني: أنها خير لهم من غيرها من البلاد.

(لو كانوا يعلمون ) فضلها، ما اختاروا غيرها من البلاد.

قال الخفاجي في "نسيم الرياض": ويحتمل أن لا يقدر شيء. والمعنى: لو كان من ذوي العلم والإدراك.

قال: وهو أبلغ في المراد.

"ولو" شرطية أو للتمني. أي: ليتهم علموا ذلك. انتهى.

(لا يدعها أحد رغبة عنها، إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ).

[ ص: 46 ] قال عياض: اختلفوا في هذا ;

فقيل: هو مختص بمدة حياته صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال آخرون: هو عام أبدا. قال النووي: وهذا أصح.

(ولا يثبت أحد على لأوائها ).

قال أهل اللغة: هي بالمد: الشدة والجوع.

(وجهدها ) بفتح الجيم: هو المشقة. وفي لغة قليلة: بضمها.

وأما "الجهد" بمعنى الطاقة: فبضمها على المشهور. وحكي فتحها. (إلا كنت له شفيعا، أو شهيدا، يوم القيامة ).

قال عياض: سألت قديما، عن معنى هذا الحديث ؟ ولم خص ساكن المدينة بالشفاعة هنا ؟ مع عموم شفاعته، وادخاره إياها لأمته.

قال: وأجيب عنه، بجواب شاف مقنع، في أوراق. اعترف بصوابه كل واقف عليه.

قال: وأذكر منه هنا، لمعا تليق بهذا الموضع ;

قال بعض شيوخنا: "أو" هنا للشك. والأظهر عندنا: أنها ليست للشك. لأن هذا الحديث ; رواه جابر بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبي عبيد: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا اللفظ. ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك، وتطابقهم فيه: على صيغة واحدة.

[ ص: 47 ] بل الأظهر ; أنه قاله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا.

فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا.

وإما أن يكون "أو" للتقسيم. ويكون شهيدا لبعض أهل المدينة. وشفيعا لبقيتهم.

إما شفيعا للعاصين، وشهيدا للمطيعين.

وإما شهيدا لمن مات في حياته، وشفيعا لمن مات بعده. أو غير ذلك.

قال القاضي: وهذه خصوصية زائدة، على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيامة. وعلى شهادته على جميع الأمة. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في شهداء أحد: "أنا شهيد على هؤلاء". فيكون لتخصيصهم بهذا كله، مزيد أو زيادة منزلة وحظوة.

قال: وقد يكون "أو" بمعنى الواو. فيكون لأهل المدينة شفيعا وشهيدا.

قال: وقد روي "إلا كنت له شهيدا، أو له شفيعا".

قال: وإذا جعلنا "أو" للشك، كما قاله المشايخ ;

فإن كانت اللفظة الصحيحة: "شهيدا"، اندفع الاعتراض. لأنها زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة لغيرهم.

وإن كانت اللفظة الصحيحة: "شفيعا"، فاختصاص أهل المدينة بهذا، مع ما جاء من عمومها وادخارها لجميع الأمة: أن هذه شفاعة أخرى، غير [ ص: 48 ] العامة، التي هي لإخراج أمته من النار، ومعافاة بعضهم منها، بشفاعته صلى الله عليه وآله وسلم، في القيامة.

وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة: بزيادة الدرجات، أو تخفيف الحساب، أو ما شاء الله من ذلك، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة: كإيوائهم إلى ظل العرش، أو كونهم في روح وعلى منابر، أو الإسراع بهم إلى الجنة، أو غير ذلك من خصوص الكرامات، الواردة لبعضهم دون بعض. والله أعلم.

هذا آخر كلام النووي "حكاية عن عياض". وقد اختصره الخفاجي في "نسيم الرياض، شرح شفاء القاضي عياض".

وقال: وفي الحديث: دليل لمن استحب الجوار بالحرمين، وكراهة ذلك لأمر خاص لمن لا يراعي حقوقهما. لمضاعفة الأعمال ثمة. انتهى.

قلت: وفي هذه المضاعفة، خلاف مشهور بين العلماء.

هل هي في السيئات أيضا ؟ أم تختص بالحسنات ؟ ولعل الثاني أظهر. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية