السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2471 [ ص: 118 ] باب فضل الصلاة بمسجدي الحرمين الشريفين

وقال النووي: (باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة ). "زاد الله شرفهما".

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص163 ج9 المطبعة المصرية

[(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه ; (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا، خير من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام" ).

زاد في رواية أخرى: (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد. )

وفي رواية: " أفضل" مكان " خير". ]

والحديث له طرق وألفاظ متقاربة.


(الشرح)

قال النووي "رحمه الله": اختلف العلماء في المراد بهذا الاستثناء، على حسب اختلافهم في مكة والمدينة: أيتهما أفضل ؟

قال: ومذهب الشافعي، وجماهير العلماء: أن مكة أفضل من المدينة، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة. وعكسه: مالك، وطائفة.

[ ص: 119 ] فعند الشافعي والجمهور، معناه: إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي.

وعند مالك وموافقيه: إن الصلاة في مسجدي، تفضله بدون الألف.

قال عياض: أجمعوا على أن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم، أفضل بقاع الأرض. وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض.

واختلفوا في أفضلهما "ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم" ;

فقال عمر، وبعض الصحابة، ومالك، وأكثر المدنيين: المدينة أفضل.

وقال أهل مكة، والكوفة، والشافعي، وابن وهب وابن حبيب المالكيان: مكة أفضل.

قال النووي: ومما احتج به أصحابنا لتفضيل مكة: حديث عبد الله ابن عدي "رضي الله عنه": (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بمكة يقول: "والله! إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله: إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت". ). رواه الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: هو حديث حسن صحيح.

وعن عبد الله بن الزبير ; (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام. وصلاة في المسجد الحرام، أفضل من مائة صلاة في مسجدي" ) حديث حسن. رواه أحمد بن حنبل "في مسنده"، والبيهقي، وغيرهما: بإسناد حسن.

[ ص: 120 ] قال: ولا يختص هذا التفضيل بالفريضة، بل يعم الفرض والنفل جميعا. وبه قال مطرف من أصحاب مالك.

وقال الطحاوي: يختص بالفرض. وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة.

قال: وإن الصلاة في مسجد المدينة، تزيد على فضيلة الألف فيما سواه، إلا المسجد الحرام، لأنها تعادل الألف، بل هي زائدة على الألف كما صرحت به هذه الأحاديث ; "أفضل من ألف صلاة". "وخير من ألف صلاة". ونحوه.

قال العلماء: وهذا فيما يرجع إلى الثواب. فثواب صلاة فيه، يزيد على ثواب ألف صلاة فيما سواه. ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت ; حتى لو كان عليه صلاتان، فصلى في مسجد المدينة صلاة لم تجزئه عنهما. وهذا لا خلاف فيه.

هذا آخر كلام النووي.

وقد ذكر الشوكاني رحمه الله في شرح المنتقى، في باب تفضيل مكة على سائر البلاد، في الجزء الرابع: أدلة من فضل أحدهما على الآخر، زيادة على ما في النووي. ثم قال: إن الاشتغال ببيان الفاضل [ ص: 121 ] من هذين الموضعين الشريفين، كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والكل من فضول الكلام الذي لا تتعلق به فائدة، غير الجدال والخصام. وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه: إلى فتن، وتلفيق حجج واهية. انتهى.

قلت: وفي بلادنا مثل سار في الناس: "هل كان لحية سليم شاه أطول، أم لحية شير شاه ؟ ". فالبحث في أمثال هذه المسألة، يطابق هذا المثل السائر. ولكن أرى أهل الزمان، لا يخلون عن الخوض في مثل هذا الشأن، في كل زمن من الأزمان، وموضع من مواضع البلدان. وحين حججت عام ألف ومائتين وخمس وثمانين، جاءني فتوى من بعض أهل مكة وغيرها، فيها: أيهما أفضل ؟ أبو حنيفة النعمان "رضي الله عنه"، أم الشيخ عبد القادر الجيلاني "قدس سره" ؟

وكم لذلك من نظائر وأشباه، يطول ذكرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية