السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
247 (باب في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسيح عليه السلام، والدجال)

ولم يفرد النووي لذلك بابا، بل أورده في "باب الإسراء".

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 235 - 236 جـ2 المطبعة المصرية

[عن عبد الله بن عمر ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراني الليلة في المنام عند الكعبة فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو بينهما يطوف بالبيت فقلت: من هذا؟ فقالوا: المسيح ابن مريم ورأيت وراءه رجلا جعدا قططا أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت فقلت: [ ص: 315 ] من هذا؟ قالوا: هذا المسيح الدجال ].


(الشرح)

(عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال) أي "بينهم" وتقدم بيانه:

"فقال: إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى" ).

يعني: أنه سبحانه منزه عن سمات الحدث، وعن جميع النقائص، وأن الدجال "خلق" من خلق الله تعالى، ناقص الصورة. فينبغي لكم أن تعلموا هذا، وتعلموه الناس؛ لئلا يغتر "بالدجال" من يرى تخييلاته، وما معه من الفتنة.

"وأعور عين اليمنى" عند نحاة الكوفة، على ظاهره من الإضافة، وعند أهل البصرة تقديره "أعور عين صفحة وجهه اليمنى".

وفي رواية: "أعور عن اليسرى" وقد ذكرهما جميعا "مسلم" في آخر الكتاب.

قال النووي: وكلاهما صحيح.

"كأن عينه عنبة طافية"، روي بالهمزة، وبغير الهمزة: فمن همز "قال:" معناه: "ذهب ضوءها"، ومن لم يهمز؛ قال: معناه "ناتئة بارزة" وقال عياض: روينا عن الأكثر "بغير همز"، وهو الذي صححه أكثرهم؛ [ ص: 316 ] وإليه ذهب الأخفش؛ ومعناه: ناتية كنتو حبة العنب، من بين صواحبها.

وقد وصف في الحديث بأنه "ممسوح العين"، وأنها ليست جحراء ولا ناتئة" بل مطموسة.

وجاء في الأحاديث الأخر "جاحظ العين" وكأنها "كوكب".

وفي رواية "لها حدقة جاحظة، كأنها نخاعة في حائط".

والجمع بينها بأن تكون المطموسة، والممسوحة، والتي ليست بجحراء، ولا ناتئة، هي العوراء "الطافئة" بالهمز. وهي العين اليمنى، كما جاء هنا.

وتكون الجاحظة، والتي "كأنها كوكب"، "وكأنها نخاعة" هي "الطافية"، بغير همز، وهي العين اليسرى، كما في الرواية الأخرى.

وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في "الطافية" بالهمز وتركه.

"وأعور العين اليمنى واليسرى" لأن كل واحدة منهما "عوراء" فإن الأعور من كل شيء المعيب. لاسيما ما يختص "بالعين".

وكلا عيني الدجال معيبة عوراء: إحداهما بذهابها. والأخرى بعيبها. قاله القاضي عياض.

وقال النووي: وهو أي كلام القاضي في نهاية من الحسن، والله أعلم.

"قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أراني الليلة"، بفتح الهمزة "في المنام عند الكعبة" سميت بها؛ لارتفاعها وتربعها، وكل بيت مربع عند العرب فهو كعبة.

[ ص: 317 ] وقيل: لاستدارتها وعلوها، "ومنه" "كعب الرجل"، "ومنه" "كعب ثدي المرأة"؛ إذا علا واستدار.

"فإذا رجل آدم كأحسن ما ترى من أدم الرجال، تضرب لمته" بكسر اللام وتشديد الميم، وجمعها "لمم" كقربة وقرب.

قال الجوهري: ويجمع على (لمام) بكسر اللام. وهو الشعر المتدلي، الذي جاوز شحمة الأذنين؛ فإذا بلغ المنكبين، فهو جمة.

"بين منكبيه، رجل الشعر يقطر رأسه ماء" أي: الماء الذي "رجلها به" لقرب ترجيله. وإلى هذا نحا القاضي الباجي؛ وهو على ظاهره.

وقال عياض: معناه عندي، أن يكون ذلك عبارة عن نضارته، وحسنه، واستعارة لجماله.

"واضعا يديه على منكبي رجلين، وهو بينهما يطوف بالبيت.

فقلت: من هذا؟ فقالوا: المسيح ابن مريم".

وقد كثرت أقوال أهل العلم، في تسميته عليه السلام "بالمسيح". ولا تأتي بفائدة، ولا تعود بعائدة، فتركنا ذكرها. وهي مذكورة في شرح النووي لمسلم؛ فراجع.

"ورأيت وراءه رجلا جعدا".

قال الهروي: "الجعد" في صفات الرجال، يكون "مدحا"، ويكون ذما.

فإذا كان ذا فله معنيان:

[ ص: 318 ] أحدهما: القصير المتردد.

والآخر "البخيل". يقال: "رجل جعد اليدين، وجع الأصابع، أي: بخيل.

وإذا كان "مدحا"، فله أيضا معنيان:

أحدهما: شديد الخلق.

والآخر يكون شعره جعدة غير سبط. فيكون مدحا؛ لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم.

وقال غيره: "الجعد" في صفة الدجال ذم. وفي صفة عيسى عليه السلام مدح.

"قططا" قال عياض: رويناه "بفتح الطاء الأولى وبكسرها" قال: وهو شديد الجعودة.

"أعور عين اليمنى" تقدم الكلام على معناه.

"كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن" بفتح القاف والطاء.

"ورأيت" بضم التاء وفتحها، قال النووي: وهما ظاهران.

"واضعا يديه على منكبي رجلين، يطوف بالبيت. فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح الدجال.

قال عياض: إن كانت هذه رؤيا عين، فعيسى حي لم يمت؛ يعني: فلا امتناع في طوافه حقيقة.

[ ص: 319 ] وإن كان مناما، كما نبه عليه ابن عمر رضي الله عنهما: فهو محتمل التأويل الرؤيا.

قال: وعلى هذا يحمل ما ينكر من طواف الدجال بالبيت، وأن ذلك "رؤيا"؛ إذ قد ورد في الصحيح، أنه لا يدخل "مكة والمدينة"؛ مع أنه لم يذكر في رواية مالك طواف الدجال.

قلت: ولا يخلو من إشكال؛ لأن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في حكم الوحي؛ وحديث طواف الدجال بالبيت هذا أيضا، ورد في صحيح مسلم. كما ورد عدم دخوله مكة والمدينة.

وبينهما تعارض ظاهر. وقد يقال: إن تحريم دخول المدينة عليه، إنما هو في زمن فتنته. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية