السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2689 باب الطلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ونحوه في النووي :

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 69 - 70 جـ 10 المطبعة المصرية

[عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم ].


[ ص: 339 ] (الشرح)

(عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر) رضي الله عنهما: (طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر، قد كانت لهم فيه أناة) بفتح الهمزة.

أي: مهلة، وبقية استمتاع لانتظار الرجعة. قاله النووي .

وقال في النيل: "أناة" في الصحاح، على وزن "قناة". وفي القاموس:

"الأناة" كقناة: الحلم والوقار. انتهى.

(فلو أمضيناه عليهم ! فأمضاه عليهم) .

وفي الباب أحاديث، من رواية أبي الصهباء عنه "رضي الله عنه"; عند مسلم، وأبي داود: بألفاظ. قال النووي بعد ذكرها: هذه ألفاظ هذا الحديث. وهو معدود من الأحاديث المشكلة.

وقد اختلف العلماء، فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا:

فقال الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث.

وقال طاوس، وبعض أهل الظاهر: لا يقع بذلك إلا واحدة.

[ ص: 340 ] وهو رواية عن الحجاج بن أرطاة، ومحمد بن إسحاق. وهو قول ابن مقاتل.

واحتج هؤلاء: بحديث ابن عباس هذا. وبأنه: وقع في بعض روايات حديث ابن عمر: "أنه طلق امرأته ثلاثا في الحيض، ولم يحتسب به". وبأنه: وقع في حديث ركانة: "أنه طلق امرأته ثلاثا، وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجعتها". انتهى.

ثم أجاب النووي عن هذا، وعن حديث الباب: أجوبة، لا تتفق إلا عند من هو غير عارف بكيفية الاستدلال. وأطال في ذلك.

وظاهر الحديث في هذه المسألة: مع الظاهرية. وهو صريح صحيح في الدلالة على المقصود.

وأما تأويله مما أولوه، فلا ضرورة تدعو إليه، ولا إليه حاجة. ولا حجة في ما قال عمر "رضي الله عنه"، أو فعل. إنما الحجة فيما كان في عصر النبوة، بمرأى ومسمع من حضرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودرج عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه" في زمنه، وعمر نفسه في صدر إمارته. وقد بين عذره، في هذا الحديث.

قال في شرح المنتقى: إنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث، إذا أوقعت في وقت واحد: هل يقع جميعها، ويتبع الطلاق الطلاق أم لا؟

فذهب جمهور التابعين، وكثير من الصحابة، وأئمة المذاهب [ ص: 341 ] الأربعة، وطائفة من أهل العلم: إلى أن الطلاق يتبع الطلاق.

وذهبت طائفة من أهل العلم: إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق. بل يقع واحدة فقط. قال: وإليه ذهب جماعة من المتأخرين، منهم: ابن تيمية، وابن القيم، وجماعة من المحققين. وقد نقله ابن مغيث "في كتاب الوثائق" عن محمد بن وضاح.. ونقل الفتوى بذلك، عن جماعة من مشايخ قرطبة محمد بن بقي، ومحمد بن عبد السلام، وغيرهما. ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس; كعطاء، وطاوس وعمرو بن دينار. وحكي أيضا عن علي، وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير.

وقد حكي عن بعض التابعين أنه: لا يقع بالطلاق المتتابع شيء، لا واحدة ولا أكثر منها.

وروي ذلك عن ابن علية، وهشام بن الحكم. وبه قال أبو عبيدة، وبعض أهل الظاهر، وسائر من يقول: إن الطلاق البدعي لا يقع. [ ص: 342 ] لأن الثلاث بلفظ واحد، وألفاظ متتابعة منه. انتهى.

ثم ذكر أدلة القائلين بذلك، والمانعين منه، والقائلين بعدم وقوع شيء. قال: والحاصل: أن القائلين بالتتابع، قد استكثروا من الأجوبة، على حديث ابن عباس رضي الله عنه". وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف. والحق أحق بالاتباع.

فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف، فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة.

وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب، فأين يقع المسكين. من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ثم أي مسلم من المسلمين، يستحسن عقله وعلمه: ترجيح قول صحابي على قول المصطفى؟

قال: وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة. انتهى.

وأقول: إني قد وقفت على هذه الرسالة، فوجدتها كافية شافية، لمن يعقل الحجج الشرعية. وأما الذي تخبطه الشيطان من المس، فلا يرفع رأسه إلى قبول تلك الأدلة الواضحة، والبراهين النيرة.

[ ص: 343 ] وقد ذكرت بعض أطراف هذه المسألة، في كتابي "الروضة الندية"، فراجعه.


فدع عنك نهبا صيح في حجراته وهات حديثا ما حديث الرواحل

.

ولا شك أن هذه المسألة، مما اختلف فيه السلف والخلف. ووقع عليها الزلازل والقلاقل. وأقاموا لها القيامة على شيخ الإسلام ابن تيمية. وهي أحقر من أن يعتنى بها هذا الاعتناء، من بعد أن ثبت في صحيح مسلم وغيره: أن الأمر كان في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، على ما رواه ابن عباس وغيره، ثم رأى عمر بن الخطاب ما رأى. وكان هذا رأيه، لا روايته. ونحن متعبدون بالرواية عن النبي المعصوم، صلى الله عليه وآله وسلم، لا برأي أحد من الأمة كائنا من كان، وأينما كان. ولا عذر لأحد في العمل بما ثبت بالطريق الصحيح، في دواوين السنة المطهرة، من سنن خاتم المرسلين، ولم يمسه نسخ، ولا معارض يساويه أو يقدم عليه.

وكل من يؤمن بالله واليوم الآخر، لا يرضى قلبه بتقديم رأي أحد من الأئمة، على قول الرسول وفعله "صلى الله عليه وآله وسلم" أبدا. بل كل من شرح الله صدره للإسلام، ودخل بشاشة الإيمان في قلبه، وعرف مقدار السنة، وكان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما: لا يفتح فاه إلا بالحث على اتباع السنة، في كل ما يرد ويصدر، [ ص: 344 ] ويأتي ويذر. ولا يبالي بخلاف من خالفه، وإن كان شيخا كبيرا، أو إماما عظيما. فالحق أكبر من كل كبير.


دعوا كل قول عند قول محمد     فما آمن في دينه كمخاطر

.

هذا ما ندين الله به، في كل مسألة من مسائل الشرع; هذه المسألة كانت أو غيرها.

ولو ذهبنا نحرر أدلة هذه المسألة، ونأخذ في ترجيحها وتنقيح أدلتها; لجاء هذا البحث كتابا مستقلا. فلذلك ضربنا الكشح عن بسطه.

والمسألة منقحة، والحكم مصرح في ما سبق، من ذكر الكتب. وهي مشتملة على كل رطب ويابس، من أدلة المخالفين. وبرهان قوي، وحجة لامعة، للقائلين بها. وأجوبة المانعين منها.

فعليك: أن تريد مزيد الاطلاع عليها، بالرجوع إليها وإلى أمثالها:

كأعلام الموقعين. وإغاثة اللهفان. وغيرهما.

والحاصل: أن هذه المسألة، لا يأتي إليها شك ولا شبهة.


فهذا الحق ليس به خفاء     فدعني عن بنيات الطريق

.

وبالله التوفيق، وهو المستعان.

التالي السابق


الخدمات العلمية