السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2720 [ ص: 397 ] باب في تزويج المطلقة بعد عدتها

وقال النووي : (باب المطلقة البائن لا نفقة لها) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 104 - 105 جـ 10 المطبعة المصرية.

[عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صخير العدوي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول إن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حللت فآذنيني، فآذنته فخطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء، ولكن أسامة بن زيد فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طاعة الله وطاعة رسوله خير لك" قالت: فتزوجته فاغتبطت ].


(الشرح)

(عن فاطمة بنت قيس) رضي الله عنها: (أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم سكنى [ ص: 398 ] ولا نفقة. قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "إذا حللت فآذنيني، فآذنته. فخطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم، (فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أما معاوية، فرجل ترب") بفتح التاء وكسر الراء، وهو الفقير. فأكده بأنه: (لا مال له) . لأن "الفقير" قد يطلق على من له شيء يسير، لا يقع موقعا من كفايته.

(وأما أبو جهيم) هكذا في هذا الموضع. "أبو الجهيم" مصغرة.

والمشهور: أنه مكبر.

قال النووي : وهو المعروف في باقي الروايات، وفي كتب الأنساب، وغيرها.

(فرجل ضراب للنساء. ولكن أسامة. فقالت بيدها هكذا: أسامة ! أسامة ! فقال لها رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: "طاعة الله وطاعة رسوله خير لك". قالت: فتزوجته فاغتبطت) .

قال النووي : وفي هذا الحديث فوائد كثيرة; منها: لا نفقة ولا سكنى للبائن. ومنها: جواز سماع كلام الأجنبية والأجنبي، في الاستفتاء ونحوه.

ومنها: جواز التعريض لخطبة المعتدة البائن بالثلاث.

[ ص: 399 ] ومنها: جواز الخطبة على خطبة غيره، إذا لم يحصل للأول إجابة.

لأنها أخبرته: أن معاوية، وأبا الجهم، وغيرهما، خطبوها.

ومنها: ذكر الغائب بما فيه من العيوب التي يكرهها، إذا كان للنصيحة. ولا يكون حينئذ غيبته محرمة.

ومنها: إرشاد الإنسان إلى مصلحته، وإن كرهها.

ومنها: قبول نصيحة أهل الفضل، والانقياد إلى إشارتهم، وأن عاقبتها محمودة.

ومنها: جواز نكاح غير الكفء، إذا رضيت به الزوجة والولي.

لأن فاطمة قرشية، وأسامة مولى.

ومنها: الحرص على مصاحبة أهل التقوى والفضل، وإن دنت أنسابهم. انتهى حاصله.

وقد استدل بحديث الباب: من قال: إن المطلقة بائنا، لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى. وقد ذهب إلى ذلك: أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وأتباعهم. وحكي عن ابن عباس، والحسن البصري، وعطاء، والشعبي، وابن أبي ليلى، والأوزاعي.

وذهب الجمهور: إلى أنه لا نفقة لها. ولها السكنى.

واحتجوا للسكنى بقوله تعالى: { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } .

[ ص: 400 ] ولإسقاط النفقة مفهوم قوله تعالى: { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فإن مفهومه: أن غير الحامل لا نفقة لها. وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة.

وذهب عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وأهل الكوفة: إلى وجوب النفقة والسكنى. بدليل: { لا تخرجوهن من بيوتهن } فإن النهي عن الإخراج: يدل على وجوبهما. ويؤيده: { أسكنوهن } .

قال في النيل: وأرجح هذه الأقوال: الأول. لما في الباب من النص الصحيح الصريح. انتهى.

وقوله: { لا تخرجوهن } - في الرجعية - لآخر الآية: { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ولو سلم العموم في الآية، لكان حديث فاطمة مخصصا له. قال الدارقطني: السنة بيد فاطمة قطعا.

قال ابن القيم: نحن نشهد بالله شهادة نسأل عنها إذا لقيناه: أن هذا (يعني: حديث عمر يرفعه: "لها السكنى والنفقة") : كذب على عمر، وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وينبغي أن لا يحمل الإنسان: فرط الانتصار للمذاهب، والتعصب: على معارضة السنن النبوية الصريحة، الصحيحة، بالكذب البحت. فلو كان هذا عند عمر عن [ ص: 401 ] النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لخرست فاطمة وذووها، ولم ينبزوا بكلمة، ولا دعت فاطمة إلى المناظرة. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية