السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2648 باب قبول قول القافة في الولد

وقال النووي : (باب العمل بإلحاق القائف الولد) . وقال في المنتقى: (باب الحجة في العمل بالقافة) .

قال في القاموس: "القائف": من يعرف الآثار، والجمع: "قافة"

وقاف أثره: تبعه. كقفاه واقتفاه. انتهى.

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 41 جـ 10 المطبعة المصرية

[عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم مسرورا. فقال: "يا عائشة! ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي، فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض" ].


[ ص: 451 ] (الشرح)

(عن عائشة "رضي الله عنها" قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم مسرورا

وزاد في رواية: "تبرق أسارير وجهه". أي: تضيء، وتستنير، من السرور والفرح.

والأسارير: هي الخطوط التي في الجبهة. واحدها: سر، وسرور.

وجمعه: أسرار. وجمع الجمع: أسارير.

(فقال: يا عائشة ! ألم تري أن مجززا المدلجي: دخل علي) . بضم الميم وكسر الزاي المشددة، ثم زاي أخرى. هذا هو الصحيح المشهور.

وحكى عياض عن الدارقطني، وعبد الغني: أنهما حكيا عن ابن جريج: أنه بفتح الزاي الأولى.

وعن ابن عبد البر، وأبي علي الغساني: أن ابن جريج قال: إنه "محرز" بإسكان الحاء وبعدها راء .

والصواب: الأول.

وهو من "بني مدلج"، بضم الميم وإسكان الدال وكسر اللام. وكانت القيافة فيهم، وفي بني أسد. تعترف لهم العرب بذلك. [ ص: 452 ] فرأى أسامة وزيدا، وعليهما قطيفة، قد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامهما. فقال: إن هذه الأقدام، بعضها من بعض

وفي لفظ: "إن بعض هذه الأقدام لمن بعض.

وهذا الحديث: رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، والترمذي.

وفي رواية متفق عليها: "فسر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعجبه، وأخبر به عائشة".

قال أبو داود: "وكان أسامة أسود، وكان زيد أبيض".

وقال عياض : قال المازري: وكانت الجاهلية، تقدح في نسب أسامة، لكونه أسود شديد السواد، وكان زيد أبيض. كذا قاله أبو داود، عن أحمد بن صالح. فلما قضى هذا القائف: بإلحاق نسبه مع اختلاف اللون، وكانت الجاهلية، تعتمد قول القائف: فرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكونه زاجرا لهم عن الطعن في النسب.

قال القاضي: قال غير أحمد بن صالح: كان زيد أزهر اللون. وأم أسامة: هي أم أيمن. واسمها: "بركة". وكانت حبشية سوداء.

[ ص: 453 ] قال عياض : هي بركة بنت محصن بن ثعلبة.

قال النووي : اختلف العلماء في العمل بقول القائف; فنفاه أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، وإسحاق. وأثبته الشافعي; وجماهير العلماء.

والمشهور عن مالك: إثباته في الإماء، ونفيه في الحرائر. وفي رواية عنه: إثباته فيهما.

ودليل الشافعي: حديث " مجزز"، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرح، لكونه: وجد في أمته من يميز أنسابها، عند اشتباهها.

ولو كانت القيافة باطلة، لم يحصل بذلك سرور. انتهى.

قال الخطابي: في هذا الحديث: دليل على ثبوت العمل بالقافة. وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد. وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يظهر السرور، إلا ما هو حق عنده.

قال: وقد أثبت الحكم بالقافة: عمر بن الخطاب، وابن عباس، وعطاء، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد. انتهى.

وبالجملة; في استبشاره صلى الله عليه وآله وسلم، من التقرير: [ ص: 454 ] ما لا يخالف فيه مخالف. ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع، لقال: إن ذلك لا يجوز، ولما قرره على قوله: هذه الأقدام بعضها من بعض. وهو في قوة: هذا ابن هذا، فإن ظاهره: أنه تقرير للإلحاق بالقافة مطلقا، لا إلزام الخصم بما يعتقده.

ومن الأدلة المقوية للعمل بالقافة: حديث الملاعنة المتقدم، حيث أخبر صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم: بأنها: إن جاءت به على كذا، فهو لفلان. وإن جاءت به على كذا، فهو لفلان. فإن ذلك يدل: على اعتبار المشابهة.

ومن المؤيدات للعمل بقولهم: جوابه صلى الله عليه وآله وسلم على أم سليم، حيث قالت: أو تحتلم المرأة؟. قال: "فبم يكون الشبه؟، وقال: "إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة، كان الشبه له". وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك: يستلزم أنه: مناط شرعي. وإلا، لما كان للإخبار فائدة، يعتد بها.

وإذا تقرر هذا: علمت أنه: لا معارضة بين حديث العمل بالقافة، وحديث العمل بالقرعة. لأن كل واحد منهما: دل على أن ما اشتمل عليه: طريق شرعي. فأيهما حصل: وقع به الإلحاق.

[ ص: 455 ] فإن حصلا معا، فمع الاتفاق: لا إشكال. ومع الاختلاف: الظاهر: أن الاعتبار بالأول منهما، لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم. ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده.

قال النووي : اتفق القائلون بالقائف: على أنه يشترط فيه: العدالة.

قال: والأصح عندنا: الاكتفاء بواحد.

وقال مالك: يشترط اثنان. قال: وهذا الحديث: يدل للاكتفاء بواحد.

قال: واتفقوا: على أنه يشترط أن يكون خبيرا بهذا، مجربا. ثم ذكر النووي : بعض تفاريع هذه المسألة. وهي معروفة في كتب الفقه; لا يحتاج هذا الكتاب إلى إيرادها.

التالي السابق


الخدمات العلمية