السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2615 [ ص: 456 ] باب: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

وذكره النووي في : (كتاب الرضاع) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 18 ج 10 المطبعة المصرية

[حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة، أن عائشة أخبرتها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها . وإنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! هذا رجل يستأذن في بيتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أراه فلانا" (لعم حفصة من الرضاعة) ، فقالت عائشة : يا رسول الله! لو كان فلان حيا (لعمها من الرضاعة) : دخل علي؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"نعم. إن الرضاعة تحرم: ما تحرم الولادة".].



(الشرح)

(عن عائشة " رضي الله عنها " : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان عندها . وإنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة . قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله ! هذا رجل يستأذن في بيتك . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أراه) بضم الهمزة . أي : أظنه [ ص: 457 ] (فلانا - لعم حفصة من الرضاعة - قالت عائشة : قلت : يا رسول الله لو كان فلان حيا - لعمها من الرضاعة - : دخل علي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعم.

اختلف في عم عائشة ;

قال أبو الحسن القابسي : هما عمان لها من الرضاعة . أحدهما : أخو أبيها من الرضاعة . ارتضع هو وأبو بكر من امرأة واحدة . والثاني : أخو أبيها "أبي القعيس ". وهو أبوها من الرضاعة . وأخوه " أفلح " : عمها .

وقيل : هو عم واحد . قال النووي : وهذا غلط ; فإن عمها في حديث : "ميت ". وفي آخر : حي جاء يستأذن . فالصواب : ما قاله القابسي .

وذكر عياض القولين ، ثم قال : قول القابسي أشبه .

فإن قيل : فإذا كانا عمين ، كيف سألت عن الميت وأعلمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه عم لها يدخل عليها ، وسألت عن عمها الآخر حتى أعلمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بأنه عمها يلج عليها ؟ فهلا اكتفت بأحد السؤالين ؟

[ ص: 458 ] قال عياض : فالجواب : أنه يحتمل أن أحدهما : كان عما من أحد الأبوين . والآخر : منهما . أو عما أعلى ، والآخر أدنى . أو نحو ذلك ; من الاختلاف ، فخافت : أن تكون الإباحة ، مختصة بصاحب الوصف المسئول عنه أولا .

(إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) .

وفي رواية : "يحرم من الرضاع : ما يحرم من الولادة " .

وفي أخرى : " يحرم من الرضاع : ما يحرم من الرحم " .

وفي لفظ : "من النسب" . " وفي حديث الباب : الإذن : بدخول العم من الرضاعة عليها . " وفي الحديث الآخر : " فليلج عليك عمك".

وهذه الأحاديث : متفقة على ثبوت حرمة الرضاعة . وأجمعت الأمة : على ثبوتها بين الرضيع والمرضعة . وأنه : يصير ابنها ، يحرم عليه : نكاحها أبدا . ويحل له النظر إليها ، والخلوة بها . والمسافرة معها .

ولا يترتب عليه : أحكام الأمومة من كل وجه ، فلا يتوارثان . ولا يجب على واحد منهما نفقة الآخر . ولا يعتق عليه بالملك .

[ ص: 459 ] ولا ترد شهادته لها . ولا يعقل عنها . ولا يسقط عنها القصاص بقتله . فهما كالأجنبيين في هذه الأحكام .

وأجمعوا أيضا : على انتشار الحرمة بين المرضعة وأولاد الرضيع ، وبين الرضيع وأولاد المرضعة . وأنه في ذلك كولدها من النسب ، لهذه الأحاديث .

وأما الرجل المنسوب ذلك اللبن إليه ، لكونه زوج المرأة ، أو وطئها بملك أو شبهة : فمذهب الشافعية ، ومذهب العلماء كافة : ثبوت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ، ويصير ولدا له . وأولاد الرجل : إخوة الرضيع ، وأخواته . وتكون إخوة الرجل : أعمام الرضيع . وأخواته : عماته . وتكون أولاد الرضيع : أولاد الرجل .

ولم يخالف في هذا : إلا أهل الظاهر ، وابن علية : فقالوا : لا تثبت حرمة الرضاع ، بين الرجل والرضيع . ونقله المازري : عن ابن عمر ، وعائشة . واحتجوا بقوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) . ولم يذكر البنت والعمة ، كما ذكرهما في النسب .

واحتج الجمهور : بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة : في عم عائشة وحفصة . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم - مع إذنه فيه -: إنه يحرم من الرضاعة ، ما يحرم من الولادة .

[ ص: 460 ] وأجابوا عما احتجوا به من الآية : أنه ليس فيها نص بإباحة البنت ، والعمة ، ونحوهما . لأن ذكر الشيء ، لا يدل على سقوط الحكم عما سواه ، لو لم يعارضه دليل آخر . كيف وقد جاءت هذه الأحاديث الصحيحة ؟ قاله النووي .

وفي "شرح المنتقى" : قد استدل بأحاديث الباب على أنه : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع ، لأنهم أقارب للرضيع .

وأما أقارب الرضيع : فلا قرابة بينهم وبين المرضع .

قال : والمحرمات من الرضاع سبع ;

الأم ، والأخت ، بنص القرآن . والبنت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الأخ ، وبنت الأخت . لأن هؤلاء الخمس : يحرمن من النسب .

وقد وقع الخلاف ، هل يحرم بالرضاع ما يحرم من الصهار ؟

وقد حقق ذلك " ابن القيم " في "الهدي" ، بما فيه كفاية . فليرجع إليه .

وقد ذهب الأئمة الأربعة : إلى أنه يحرم نظير المصاهرة : بالرضاع ، فيحرم عليه : أم امرأته من الرضاعة . وامرأة أبيه من الرضاعة .

ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة . وبين المرأة وعمتها . وبينها وبين خالتها من الرضاعة .

[ ص: 461 ] وقد نازعهم في ذلك : ابن تيمية ، كما حكاه صاحب "الهدي" .

وحديث عائشة (في دخول "أفلح" عليها) : فيه دليل على ثبوت حكم الرضاع : في حق زوج المرأة وأقاربه ، كالمرضعة . وقد ذهب إلى هذا : جمهور أهل العلم ; من الصحابة ، والتابعين ، وسائر العلماء . وقد وقع التصريح بالمطلوب ، في رواية لأبي داود ، بلفظ : قالت عائشة : دخل علي " أفلح " فاستترت منه ، فقال : أتستترين مني وأنا عمك ؟ قلت : من أين ؟ قال : أرضعتك امرأة أخي) . قلت : إنما أرضعتني المرأة ، ولم يرضعني الرجل . فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فحدثته فقال : " إنه عمك ، فليلج عليك ".

وروي عن عائشة ، وابن عمر ، وابن الزبير ، ورافع بن خديج ، وزينب بنت أم سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم ، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار ، والشعبي ، والنخعي ، وأبي قلابة ، وإياس بن معاوية القاضي : أنه لا يثبت حكم الرضاع للزوج . وروي هذا : عن الظاهرية . وروي : ما يدل على أنه قول جمهور الصحابة .

وأجيب : بأن الاجتهاد من بعض الصحابة ، والتابعين : لا يعارض النص . ولا يصح دعوى الإجماع لسكوت الباقين ، لأنا نمنع : أن هذه الواقعة ، بلغت كل المجتهدين منهم.

[ ص: 462 ] وثانيا : أن السكوت في المسائل الاجتهادية ، لا يكون دليلا على الرضا .

وأما عمل عائشة بخلاف ما روت : فالحجة روايتها ، لا رأيها . وقد تقرر في الأصول : أن مخالفة الصحابي لما رواه : لا تقدح في الرواية . وقد صح عن علي : القول بثبوت حكم الرضاع للرجل . وثبت أيضا عن ابن عباس . كما في البخاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية