السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2629 باب في المصة والمصتين

وهو في النووي في : (كتاب الرضاع) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 28 ج 10 المطبعة المصرية

[عن أم الفضل، قالت: دخل أعرابي على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة، فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى: أنها أرضعت امرأتي الحدثى: رضعة أو رضعتين. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم الإملاجة والإملاجتان".].


(الشرح)

عن أم الفضل " رضي الله عنها " ; قالت : دخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو في بيتي ، فقال : يا نبي الله ! إني كانت لي امرأة ، فتزوجت عليها أخرى . فزعمت امرأتي الأولى : أنها أرضعت امرأتي الحدثى) بضم الحاء وإسكان الدال . أي : الجديدة .

[ ص: 471 ] (رضعة أو رضعتين . فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم : "لا تحرم الإملاجة ، ولا الإملاجتان ") بكسر الهمزة والجيم المخففة .

وهي : " المصة " . يقال : ملج الصبي أمه " كنصر وسمع " : تناول ثديها بأدنى فمه . وامتلج اللبن : امتصه . وأملجه : أرضعه . والمليج : الرضيع . كذا في القاموس

قال في النيل : الإملاجة : الإرضاعة الواحدة . مثل المصة . والأحاديث المذكورة : تدل على أن الرضعة الواحدة ، والرضعتين . والمصة الواحدة ، والمصتين . والإملاجة ، والإملاجتين : لا يثبت بها حكم الرضاع ، الموجب للتحريم .

وتدل هذه الأحاديث " بمفهومها " : على أن الثلاث من الرضعات أو المصات : تقتضي التحريم . وقد حكى "صاحب البحر " هذا المذهب:

عن زيد بن ثابت ، وأبي ثور، وابن المنذر . انتهى .

وحكاه في "البدر التمام ، شرح بلوغ المرام " : عن أبي عبيدة ، وداود الظاهري ، وأحمد في رواية . ولكنه يعارض هذا المفهوم ، القاضي بأن ما فوق الاثنتين ، يقتضي التحريم : ما سيأتي من أن الرضاع المقتضي للتحريم : هو الخمس الرضعات . وسيأتي تحقيق ذلك .

[ ص: 472 ] نعم ، هذه الأحاديث دافعة لقول من قال : إن الرضاع المقتضي للتحريم ، هو الواصل إلى الجوف . ولا شك أن المصة الواحدة : تصل إلى الجوف . فكيف ما فوقها ؟ انتهى كلام النيل.

قال في السيل : لا يقتضي التحريم : إلا الرضاع من امرأة واحدة ، رضاعا يوجب التحريم . ولا حكم لما لا يكون مجموعه : إلا من اثنتين ، أو ثلاثا أو أكثر . ولا يثبت به حكم الرضاع ; لا للرجل ولا للنساء . فمن يعتبر " خمس رضعات " ، لا بد أن يكون خمسة من امرأة واحدة . فلو رضع من كل واحدة رضعة ، أو رضع الخمس من ثلاث أو اثنتين : لم يكن لذلك حكم . ولا يثبت له رضاع. وهكذا ، لو لم يصل إلى الجوف - عند من يعتبر مجرد الوصول إليه - : إلا لبن امرأتين ، أو أكثر : فإنه لا يثبت بذلك حكم عنده . وإن قال : بأنه يثبت به الحكم : فقد عول على مجرد الرأي الزائف ، والاجتهاد الزائغ . انتهى .

قال النووي : واختلف العلماء ، في القدر الذي يثبت به حكم الرضاع.

[ ص: 473 ] فقالت عائشة ، والشافعي وأصحابه : لا يثبت بأقل من خمس رضعات .

وقال جمهور العلماء : يثبت برضعة واحدة . حكاه ابن المنذر : عن علي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ، وابن المسيب ، والحسن ، ومكحول ، والزهري ، وقتادة ، والحكم ، وحماد ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة . رضي الله عنهم .

وقال أبو ثور ، وأبو عبيد ، وابن المنذر ، وداود : يثبت بثلاث رضعات . ولا يثبت بأقل.

فأما الشافعي ، وموافقوه : فأخذوا بحديث عائشة : "خمس رضعات معلومات ".

وأخذ مالك ، بقوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) .

ولم يذكر عددا .

وأخذ داود ، بمفهوم حديث : " لا تحرم المصة والمصتان " ، وقال:هو مبين للقرآن .

واعترض أصحاب الشافعي ، على المالكية ، فقالوا : إنما كانت تحصل الدلالة لكم ، لو كانت الآية : " واللاتي أرضعنكم أمهاتكم".

[ ص: 474 ] واعترض أصحاب مالك ، على الشافعية : بأن حديث عائشة هذا

:لا يحتج به عندكم ، وعند محققي الأصوليين ، لأن القرآن لا يثبت بخبر الواحد . وإذا لم يثبت قرآنا ، لم يثبت بخبر الواحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . لأن خبر الواحد ، إذا توجه إليه قادح : يوقف عن العمل به . وهذا إذا لم يجئ إلا بآحاد . مع أن العادة مجيئه متواترا : توجب ريبة .

واعترضت الشافعية على المالكية : بحديث " المصة والمصتان ". وأجابوا عنه بأجوبة باطلة ، لا ينبغي ذكرها . لكن ننبه عليها ، خوفا من الاغترار بها .

منها : أن بعضهم ادعى : أنها منسوخة . وهذا باطل ، لا يثبت بمجرد الدعوى .

ومنها : أن بعضهم زعم : أنه موقوف على عائشة . وهذا خطأ فاحش . بل قد ذكره مسلم وغيره ، من طرق صحاح : مرفوعا ، من روايتها . ومن رواية أم الفضل .

ومنها : أن بعضهم زعم : أنه مضطرب. وهذا غلط ظاهر . وجسارة على رد السنن : بمجرد الهوى ، وتوهين صحيحها ، لنصرة المذاهب .

وقد جاء في اشتراط العدد : أحاديث كثيرة مشهورة . والصواب اشتراطه.

[ ص: 475 ] قال عياض : وقد شذ بعض الناس ، فقال : لا يثبت الرضاع إلا بعشر رضعات . وهذا باطل مردود .

هذا آخر كلام النووي . وسيأتي : ما يوضح الحق في الباب ، بتحرير لم يقرع سمعك في كتاب : فانتظره وكن من الشاكرين . ولا تبال بأحد ، ولا بقوله ، في خلاف ما ثبت عن خاتم النبيين ، صلى الله عليه وآله وسلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية