السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2637 [ ص: 482 ] باب في رضاعة الكبير

وأورده النووي في : (كتاب الرضاع) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 31 - 32 ج 10 المطبعة المصرية

[عن عائشة ، أن سالما (مولى أبي حذيفة) ، كان مع أبي حذيفة وأهله، في بيتهم فأتت -تعني ابنة سهيل- النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال. وعقل ما عقلوا. وإنه يدخل علينا. وإني أظن: أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: " أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة". فرجعت فقالت: إني قد أرضعته، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.].


(الشرح)

(عن عائشة "رضي الله عنها " : أن سالما - مولى أبي حذيفة - ، كان مع أبي حذيفة وأهله ، في بيتهم . فأتت) تعني : سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة .

(النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال . وعقل ما عقلوا . وإنه يدخل علينا . وإني أظن : أن في نفس [ ص: 483 ] أبي حذيفة من ذلك شيئا . فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أرضعيه تحرمي عليه") .

قال عياض : لعلها : حلبته ثم شربه ، من غير أن يمص ثديها . ولا التقت بشرتاهما . قال النووي : وهذا الذي قاله القاضي حسن .

ويحتمل : أنه عفي عن مسه للحاجة ، كما خص بالرضاعة مع الكبر . والله أعلم . انتهى .

" (ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة " . فرجعت إليه فقالت : إني قد أرضعته ، فذهب الذي في نفس أبي حذيفة) .

قال النووي : اختلف العلماء في هذه المسألة ;

فقالت عائشة ، وداود : تثبت حرمة الرضاع ، برضاع البالغ.

كما تثبت برضاع الطفل
. لهذا الحديث.

وقال سائر العلماء من الصحابة ، والتابعين ، وعلماء الأمصار إلى الآن : لا تثبت إلا بإرضاع : من له دون سنتين . إلا أبا حنيفة فقال : سنتين ونصف.

وقال زفر : ثلاث سنين .

وعن مالك " رواية " : سنتين وأيام.

[ ص: 484 ] واحتج الجمهور ، بقوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) وبالحديث ، الذي ذكره مسلم بعد هذا : " إنما الرضاعة من المجاعة " . وبأحاديث مشهورة .

وحملوا حديث " سهلة " : على أنه مختص بها وبسالم . وقد روى مسلم ; عن أم سلمة ، وسائر أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنهن خالفن عائشة في هذا . انتهى .

وأقول : قد سبق بعض ما يتعلق برجحان ما في حديث الباب ، وسرد شارح "المنتقى" : أسماء من روى هذا الحديث من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، المرجوع إليهم في أعصارهم . ورواه عنهم : الجم الغفير ، والعدد الكثير . وإليه ذهب ابن حزم .

ويؤيد ذلك : الإطلاقات القرآنية ، كقوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ) . ودعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل ، ولا دليل . وقد اعترفن بصحة الحجة التي جاءت بها عائشة . ولا حجة في إبائهن لها ، كما أنه لا حجة في أقوالهن . ولهذا سكتت أم سلمة ، لما قالت لها عائشة : أما لك في رسول الله أسوة حسنة ؟ ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم ، لبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما بين اختصاص " أبي بردة " : بالتضحية بالجذع من المعز .

[ ص: 485 ] وقد اختلفوا في تقدير المدة ، التي يقتضي الرضاع فيها التحريم ، على أقوال ،

الأول : ما كان في الحولين .

والثاني : ما كان قبل الفطام .

والثالث : في حال الصغر . ولم يحده القائل بحد .

والرابع : ثلاثون شهرا .

والخامس : في الحولين وما قاربهما .

والسادس : ثلاث سنين .

والسابع : سبع سنين .

والثامن : حولان واثنا عشر يوما.

وذهب إلى كل قول من هذه الأقوال : جماعة من السلف والخلف ، سرد أسماءهم في "النيل" .

[ ص: 486 ] القول التاسع : أن الرضاع يعتبر فيه الصغر . إلا فيما دعت إليه الحاجة : كرضاع الكبير الذي لا يستغنى عن دخوله على المرأة . ويشق احتجابها منه . وإليه ذهب شيخ الإسلام " ابن تيمية" - رحمه الله -

.قال الشوكاني : وهذا هو الراجح عندي . وبه يحصل الجمع بين الأحاديث . وذلك بأن يجعل (قصة سالم المذكورة) : مخصصة لعموم : " إنما الرضاع من المجاعة " ، " ولا رضاع إلا في الحولين " ، " ولا رضاع إلا ما فتق الأمعاء ، وكان قبل الفطام " ، "ولا رضاع إلا ما أنشر العظم وأثبت اللحم " . وهذه طريقة متوسطة ، بين طريقة من استدل بهذه الأحاديث : على أنه لا حكم لرضاع الكبير مطلقا ، وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقا . لما لا يخلو عنه : كل واحدة من هاتين الطريقتين ، من التعسف .

ويؤيد هذا : أن سؤال " سهلة " امرأة أبي حذيفة ، كان بعد نزول آية الحجاب . وهي مصرحة : بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية . فلا يخص منها "غير من استثناه الله تعالى "، إلا بدليل . كقضية سالم ، وما كان مماثلا لها في تلك العلة ، التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب ، من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة ، من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب . ولا بشخص من الأشخاص . ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم .

وقد ثبت "في حديث سهلة " : أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله [ ص: 487 ] وسلم : " إن سالما ذو لحية . فقال : " أرضعيه " . وينبغي : أن يكون الرضاع : خمس رضعات ، لما تقدم في الباب الأول.

التالي السابق


الخدمات العلمية