السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1660 [ ص: 496 ] باب في فضل النفقة على العيال والأهل

وذكره النووي في : (الباب المتقدم) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 81-82 ج 7 المطبعة المصرية

[عن ثوبان "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله: ودينار ينفقه على أصحابه: في سبيل الله" قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال. ثم قال أبو قلابة: وأي رجل، أعظم أجرا: من رجل ينفق على عيال صغار: يعفهم: أو ينفعهم الله به: ويغنيهم؟].


(الشرح)

قال النووي : مقصود الباب : الحث على النفقة على العيال ، وبيان عظم الثواب فيه.

لأن منهم : من تجب نفقته بالقرابة .

ومنهم : من تكون مندوبة ، وتكون صدقة ، وصلة.

ومنهم : من تكون واجبة بملك النكاح ، أو ملك اليمين .

[ ص: 497 ] وهذا كله فاضل محثوث عليه . ولهذا قال في رواية أخرى : " أعظمها أجرا : الذي أنفقته على أهلك "، مع أنه ذكر قبله : النفقة في سبيل الله ، وفي العتق ، والصدقة . ورجح النفقة على العيال : على هذا كله ، لما ذكرنا . وزاده توكيدا بقوله في الحديث الآخر : "كفى بالمرء إثما : أن يحبس عمن يملك قوته " . انتهى.

قال في "النيل" : قد وقع الإجماع ، على أنه يجب على الولد الموسر : مؤونة الأبوين المعسرين . كما حكى ذلك في "البحر" . واستدل بقوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا ) ثم قال : ولو كانا كافرين . لقوله تعالى : ( وإن جاهداك ) . ولحديث : " أنت ومالك لأبيك ".

ثم حكى الإجماع ، على أن الأم المعسرة : كالأب في وجوب النفقة.

واستدل له ، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " أمك . ثم أمك"

ثم حكى عن عمرو بن أبي ليلى ، والحسن بن صالح ، وأحمد ، وأبي ثور : أنها تجب النفقة ، لكل معسر : على كل موسر ، إذا كانت ملتهما واحدة : وكانا يتوارثان . لقوله تعالى : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) واللام للجنس .

[ ص: 498 ] وحكى عن الحنفية : أنها إنما تلزم للرحم المحرم فقط .

وعن الشافعي وأصحابه : لا تجب إلا للأصول والفصول ، فقط .

وعن مالك : لا تجب إلا للولد والوالد فقط.

وفي الآية : احتمالات لا يصح الاستدلال بها ، على وجوب نفقة كل معسر ، على من يرثه من قرابته الموسرين . لأن الكلام في الآية ، في رزق الزوجات وكسوتهن . ولكنه يدل على المطلوب : عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " فلذي قرابتك".

ويلزم الأب : نفقة ولده المعسر . فإن كان الولد صغيرا ، فذلك إجماع. كما حكاه في "البحر" . وإن كان كبيرا ، فقيل : نفقته على الأب وحده دون الأم . وقيل : عليهما حسب الإرث . انتهى حاصله .

وبالجملة ، فعموم قوله عز وجل : ( على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) ، وقوله : ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) تعالى : يدخل تحته الآباء ، والأبناء ، والزوجات : دخولا أوليا . ويتناول سائر القرابة . وإذا قعد الأب وعجز عن الكسب ، وولده قوي سوي ، وأبواب المكاسب متيسرة ، ولم يكتسب [ ص: 499 ] على والده : فهو لم يحسن إليه كما أمره الله تعالى . ولا بره كما أوجب ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما إذا كانا جميعا قادرين على التكسب : يتكسب كل واحد منهما لنفسه . فإن قدر الولد : أن يكفي والده مؤونة التكسب : فهو من تمام البر والإحسان إليه .

والحاصل : أنه إذا كان البر والإحسان واجبين على الولد بوالده ، كما تدل عليه الأدلة : لزمه ما لا يتم البر إلا به ، ولا يخرج عن ذلك إلا ما خصه الدليل . وأيضا . هو أقرب قربا وأسبق رحما.

فالأدلة الدالة على صلة الأرحام : تتناوله تناولا أوليا . والأمهات : أحق بهذا البر والإحسان والصلة : من الآباء . للأحاديث الواردة في ذلك.

وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" ، وأحمد ، وابن حبان ، والحاكم وصححه ، مرفوعا . بلفظ : " إن الله تعالى يوصيكم بأمهاتكم. ثم يوصيكم بأمهاتكم . ثم يوصيكم بأمهاتكم . ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب".

قال في "السيل" : قد ثبتت : كتابا ، وسنة ، وإجماعا : مشروعية "صلة الرحم ". وورد التأكيد في شأنها : بأن : "من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله".

وهذا يشمل كل قريب ، متحقق القرابة ، صادق عليه اسم : " الرحم " .

وورد في خصوص الأبوين : حديث أبي هريرة ، في الصحيحين [ ص: 500 ] وغيرهما : (قال رجل يا رسول الله ! أي الناس أحق مني بحسن الصحبة ؟ قال : "أمك" . قال : ثم من ؟ قال : " أمك" . قال : ثم من ؟ قال :"أمك" . قال : ثم من ؟ قال : " أبوك".

وفي لفظ لمسلم : (أنه قال : من أبر ؟ قال "أمك".

وورد في خصوص الأولاد : حديث عائشة ، في الصحيحين وغيرهما ، في قصة " هند " . وفيه : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".

وورد ما هو أعم مما تقدم . وهو حديث : بهز بن حكيم ، عن أبيه عن جده . وفيه : (من أبر ؟ قال : "أمك" - ثلاثا - . ثم قال : " أباك" . " ثم الأقرب فالأقرب ") . رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي بطوله.

وفي حديث طارق المحاربي مرفوعا : (يد المعطي : العليا . وابدأ بمن تعول : أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، ثم أدناك أدناك) . رواه النسائي ، وابن حبان والدارقطني ، وصححاه.

وفي حديث كليب بن منقعة . وفيه بعد قوله : أخاك : " ومولاك الذي يلي ذاك ، حق واجب ورحم موصولة " . رواه أبو داود .

وفي حديث أبي هريرة يرفعه : "تصدقوا" قال رجل : عندي دينار [ ص: 501 ] قال : " تصدق به على نفسك " . قال : عندي دينار آخر . قال : " تصدق به على زوجتك " ، قال : عندي دينار آخر . قال : " تصدق به على ولدك " ، قال : عندي دينار آخر . قال : " تصدق به على خادمك "، قال : عندي دينار آخر . قال : " أنت أبصر به ". رواه أحمد ، والنسائي ، ورواه أبو داود ، لكنه قدم : الولد على الزوجة.

وفي الباب أحاديث كثيرة جدا.

وحديث إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهند ، " أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ": يدل على وجوب نفقة الأولاد على أبيهم ، لكن لا مطلقا . بل إذا لم يكن لهم مال . فلا وجه لوجوب النفقة من مال غيرهم . وقد دل على ذلك : ما جاء في القرآن الكريم ، من تفصيل الكلام في أموال اليتامى ، وإنفاقهم منها . وجواز : أن يأكل المنفق لهم من مالهم بالمعروف . انتهى حاصله .

التالي السابق


الخدمات العلمية