السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3234 [ ص: 504 ] باب: للمرأة أن تنفق من مال زوجها بالمعروف، على عياله

وقال النووي في الجزء الرابع : (باب قضية هند ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم النووي ص 8-9 ج 12 المطبعة المصرية

[عن عائشة قالت: جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! والله! ما كان على ظهر الأرض، أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله: من أهل خبائك. وما على ظهر الأرض، أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله: من أهل خبائك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأيضا والذي نفسي بيده!"

ثم قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل ممسك. فهل علي حرج: أن أنفق على عياله من ماله، بغير إذنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف. "].



(الشرح)

(عن عائشة "رضي الله عنها " ; قالت : جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! والله ! ما كان على ظهر الأرض ، أهل خباء أحب إلي من أن يذلهم الله : من أهل خبائك .

[ ص: 505 ] وما على ظهر الأرض ، أهل خباء أحب إلي من أن يعزهم الله : من أهل خبائك (.

قال عياض : أرادت بقولها : " أهل خباء " : نفسه صلى الله عليه وآله وسلم . فكنت عنه : بأهل الخباء : إجلالا له . ويحتمل ، أن تريد "بأهل الخباء " : أهل بيته .

والخباء ، يعبر به : عن مسكن الرجل وداره .

(فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " وأيضا ، والذي نفسي بيده! ") .

معناه : ستزيدين من ذلك ، ويتمكن الإيمان من قلبك ، ويزيد حبك لله ولرسوله . ويقوى رجوعك عن بغضه .

وأصل هذه اللفظة: آض يئيض أيضا: إذا رجع . (ثم قالت : يا رسول الله ! إن أبا سفيان ، رجل ممسك) .

وفي رواية أخرى : " مسيك " أي : بخيل . وفي أخرى : " شحيح".

(فهل علي حرج : أن أنفق على عياله ، من ماله ، بغير إذنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "لا حرج عليك : أن تنفقي عليهم بالمعروف ".) .

[ ص: 506 ] وفي رواية : " خذي من ماله بالمعروف : ما يكفيك ويكفي بنيك "

.وفي أخرى : (فهل علي حرج ، من أن أطعم من الذي له : عيالنا ؟

قال لها : "لا ، إلا بالمعروف ".)
.

وفي هذه الأحاديث فوائد;

منها : وجوب نفقة الزوجة .

ومنها : وجوب نفقة الأولاد الفقراء .

ومنها : أن النفقة مقدرة بالكفاية ، لا بالأمداد.

قال النووي : مذهب أصحابنا : أن نفقة القريب : مقدرة بالكفاية . كما هو ظاهر هذا الحديث . ونفقة الزوجة : مقدرة بالأمداد . فذكرها . قال : وهذا الحديث : يرد على أصحابنا

.ومنها : جواز سماع كلام الأجنبية ، عند الإفتاء والحكم ، وكذا ما في معناه .

ومنها : جواز ذكر الإنسان : بما يكرهه ، إذا كان للاستفتاء والشكوى ، ونحوهما.

ومنها : أن من له حق على غيره ، وهو عاجز عن استيفائه ، يجوز له :

أن يأخذ من ماله : قدر حقه ، بغير إذنه
. وبه قالت الشافعية .

ومنع ذلك : أبو حنيفة ، ومالك .

[ ص: 507 ] ومنها : جواز إطلاق الفتوى : ويكون المراد : تعليقها بثبوت ما يقوله المستفتي . ولا يحتاج المفتي ، أن يقول : إن ثبت ، كان الحكم : كذا وكذا . بل يجوز له : الإطلاق. كما أطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فإن قال ذلك ، فلا بأس.

ومنها : أن للمرأة مدخلا : في كفالة أولادها ، والإنفاق عليهم :من مال أبيهم .

ومنها : اعتماد العرف ، في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي.

ومنها : جواز خروج الزوجة ، من بيتها لحاجتها ، إذا أذن لها زوجها في ذلك ، أو علمت رضاه به .

وليس في هذا الحديث : ما يدل على القضاء ، على الغائب . كما استدل به جماعات من الشافعية : بل هو إفتاء .

وعلى كل حال ، قال القرطبي : هذا أمر إباحة . بدليل ما وقع في البخاري ، بلفظ : "لا حرج".

والمراد بالمعروف : القدر الذي عرف بالعادة : أنه الكفاية .

قال : وهذه الإباحة ، وإن كانت مطلقة لفظا : فهي مقيدة معنى .

كأنه قال : إن صح ما ذكرت .

[ ص: 508 ] والحديث دليل ، على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ، وهو مجمع عليه كما سلف . وعلى وجوب نفقة الولد على الأب . وأنه يجوز لمن وجبت له النفقة "شرعا" على شخص : أن يأخذ من ماله : ما يكفيه ، إذا لم يقع منه الامتثال ، وأصر على التمرد .

. وظاهره : أنه لا فرق في وجوب نفقة الأولاد على أبيهم ; بين الصغير والكبير . لعدم الاستفصال . وهو ينزل منزلة العموم في المقال . وأيضا قد كان في أولادها في ذلك الوقت : من هو مكلف ، كمعاوية " رضي الله عنه " ، فإنه أسلم عام الفتح ، وهو ابن ثمان وعشرين سنة . فعلى هذا : يكون مكلفا من قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى المدينة . وسؤال هند ، كان في عام الفتح .

وذهبت الشافعية : إلى اشتراط الصغر ، أو الزمانة . وحكاه ابن المنذر عن الجمهور . والحديث يرد عليهم .

ولم يصب : من أجاب عن هذا : بأنه واقعة عين ، لا عموم لها .

لأن خطاب الواحد كخطاب الجماعة . كما تقرر في الأصول .

وفي رواية متفق عليها : " ما يكفيك ووليدك" .

وقد أجيب : بأن الحديث ، من باب الفتيا ، لا من القضاء . وهو فاسد ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يفتي إلا بحق. [ ص: 509 ] واستدل بالحديث أيضا : من قدر نفقة الزوجة بالكفاية . وبه قال الجمهور .

وقال الشافعي : إنها تقدر بالأمداد . فعلى الموسر كل يوم : مدان . وعلى المتوسط : مد ونصف . وعلى المعسر : مد. وروي نحو ذلك عن مالك . والحديث حجة عليهم . كما اعترف بذلك النووي أيضا .

وللحديث فوائد ، لا يتعلق غالبها بالمقام . وقد استوفاها الحافظ في "الفتح" . واستوفى طرق الحديث ، واختلاف ألفاظه . وذكرت شطرا منها في : " عون الباري ، لحل أدلة البخاري ". وذكرت مسألة نفقة الزوجة في : " دليل الطالب على أرجح المطالب " . فراجعهما ، تجد فيهما ما يكفيك في ذلك . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية