السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3139 باب الإحسان إلى المملوكين في :

الطعام واللباس، ولا يكلفون ما لا يطيقون

وهو في الجزء الرابع من النووي ، في : (باب صحبة المماليك) .

حديث الباب - وهو بصحيح مسلم النووي ص 132 - 133 ج11 المطبعة المصرية

[عن المعرور بن سويد ، قال: مررنا بأبي ذر بالربذة. وعليه برد، وعلى غلامه مثله . فقلنا: يا أبا ذر! لو جمعت بينهما، كانت حلة. فقال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وكانت أمه أعجمية، فعيرته بأمه . فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أبا ذر! إنك امرؤ فيك جاهلية". قلت: يا رسول الله! من سب الرجال، سبوا أباه وأمه. قال: يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك [ ص: 561 ] جاهلية. هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم. فأطعموهم مما تأكلون. وألبسوهم مما تلبسون. ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم".].


(الشرح)

(عن المعرور بن سويد ) ، بالعين المهملة . وبالراء المكررة.

(قال : مررنا بأبي ذر بالربذة . وعليه برد ، وعلى غلامه مثله.

فقلنا : يا أبا ذر ! لو جمعت بينهما ، كانت حلة) .

إنما قال ذلك ، لأن الحلة عند العرب : ثوبان . ولا تطلق على ثوب واحد .

(فقال : إنه كان بيني وبين رجل من إخواني) ، أي : من المسلمين . والظاهر : أنه كان عبدا . وإنما قال : من إخواني ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال له : " إخوانكم خولكم . فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه " . الحديث متفق عليه .

(كلام . وكانت أمه أعجمية ، فعيرته بأمه . فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فلقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك جاهلية") .

أي : هذا التعيير من أخلاق الجاهلية . ففيك خلق من أخلاقهم .

وينبغي للمسلم : أن لا يكون فيه شيء من أخلاقهم .

[ ص: 562 ] ففيه : النهي عن التعيير ، وتنقيص الآباء والأمهات . وأنه من أخلاق الجاهلية .

(قلت : يا رسول الله ! من سب الرجال ، سبوا أباه وأمه) .معناه : الاعتذار عن سبه " أم ذلك الإنسان "

يعني : أنه سبني . ومن سب إنسانا ، سب ذلك الإنسان أبا الساب وأمه . فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . (وقال : يا أبا ذر ! إنك امرؤ فيك جاهلية) .

يعني : هذا من أخلاق الجاهلية . وإنما يباح للمسبوب أن يسب الساب نفسه ، بقدر ما سبه . ولا يتعرض لأبيه ، ولا لأمه .

(هم إخوانكم . جعلهم الله تحت أيديكم . فأطعموهم مما تأكلون . وألبسوهم مما تلبسون. ولا تكلفوهم ما يغلبهم. فإن كلفتموهم فأعينوهم) .

الضمير في "هم إخوانكم " : يعود إلى المماليك . والأمر بإطعامهم مما يأكل السيد ، وإلباسهم مما يلبس : محمول على الاستحباب ، لا على الإيجاب .

قال النووي : وهذا بإجماع المسلمين . وأما فعل أبي ذر "في كسوة غلامه ، مثل كسوته " : فعمل بالمستحب . وإنما يجب على السيد : نفقة المملوك وكسوته بالمعروف ، بحسب البلدان ، والأشخاص . سواء كان [ ص: 563 ] من جنس نفقة السيد ولباسه ، أو دونه ، أو فوقه . حتى لو قتر السيد على نفسه ، تقتيرا خارجا عن عادة أمثاله ، " إما زهدا ، وإما شحا" : لا يحل له التقتير على المملوك ، وإلزامه وموافقته ، إلا برضاه .

قال : وأجمع العلماء ، على أنه لا يجوز : أن يكلفه من العمل ، ما لا يطيقه . فإن كلفه ذلك : لزمه إعانته بنفسه ، أو بغيره . انتهى .

وفي رواية أخرى : " فإن كلفه ما يغلبه فليبعه".

وفي رواية : " فليعنه عليه".

وفي أخرى : " للمملوك طعامه وكسوته ، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " . وهو موافق لحديث أبي ذر هذا .

ونبه بالطعام ، واللباس ، والكسوة : على سائر المؤن ، التي يحتاج إليها العبد .

قال في "النيل" : حديث أبي ذر محمول على الندب . والقرينة الصارفة إليه : الإجماع على أنه لا يجب على السيد ذلك . وذهب الشافعي : إلى أن الواجب : الكفاية بالمعروف .

قال: وفيه دليل على تحريم تكليف العبيد والإماء ، فوق ما يطيقونه من الأعمال . وهذا مجمع عليه . انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية