السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3155 باب في بيع المدبر إذا لم يكن له مال غيره

وقال النووي في الجزء الرابع : (باب جواز بيع المدبر) .

فيه : حديث جابر بن عبد الله " رضي الله عنهما " ، وقد تقدم في أول (كتاب النفقات) .

وهذا الحديث : له طرق وألفاظ . والذي عند النووي ، في الباب المذكور هكذا ;

حديث الباب وهو بصحيح مسلم النووي ص 141 - 142 ج11 المطبعة المصرية

[عن جابر بن عبد الله ، أن رجلا من الأنصار ، أعتق غلاما له، عن دبر، لم يكن له مال غيره. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "من يشتريه مني؟" فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه. قال عمرو: سمعت جابر بن عبد الله يقول: عبدا قبطيا، مات عام أول.].


[ ص: 570 ] (الشرح)

) عن جابر بن عبد الله ، أن رجلا من الأنصار ، أعتق غلاما له ، عن دبر . لم يكن له مال غيره . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " من يشتريه مني ؟ " فاشتراه نعيم بن عبيد الله بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه) .

وتقدم شرح الحديث ، في أول كتاب النفقات "تحت الحديث المذكور هناك " : بألفاظه .

قال النووي : ومعنى "أعتقه عن دبر " : قال له : أنت حر بعد موتي .

وسمي هذا تدبيرا : لأنه يحصل العتق فيه ، في دبر الحياة .

وأما هذا الرجل الأنصاري ، فيقال له : "أبو مذكور". واسم الغلام المدبر : يعقوب .

قال : وفي هذا الحديث : دلالة لمذهب الشافعي وموافقيه . أنه يجوز بيع المدبر قبل موت سيده ، لهذا الحديث ، قياسا على الموصى بعتقه . فإنه يجوز بيعه بالإجماع .

قال : وممن جوزه عائشة ، وطاوس ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود . رضي الله عنهم . [ ص: 571 ] وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وجمهور العلماء ، والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين ، رحمهم الله تعالى : لا يجوز بيع المدبر .

قالوا : وإنما باعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في دين ، كان على سيده .

وقد جاء في رواية للنسائي ، والدارقطني : (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال له : " اقض به دينك") . قالوا : وإنما دفع إليه ثمنه ، ليقضي به دينه .

وتأوله بعض المالكية : على أنه لم يكن له مال غيره ، فرد تصرفه .

قال هذا القائل : وكذلك يرد تصرف من تصدق بكل ما له .

وهذا ضعيف ، بل باطل . والصواب : نفاذ تصرف من تصدق بكل ماله .

قال عياض : الأشبه عندي : أنه فعل ذلك نظرا له ، إذ لميترك لنفسه مالا .

قال النووي : والصحيح ما قدمناه : أن الحديث على ظاهره . وأنه يجوز بيع المدبر بكل حال . ما لم يمت السيد . والله أعلم .

قال : وأجمع المسلمون ، على صحة التدبير .

[ ص: 572 ] ثم مذهب الشافعي ، ومالك ، والجمهور : أنه يحسب عتقه من الثلث . وقال الليث ، وزفر : هو من رأس المال .

وفي هذا الحديث : نظر الإمام في مصالح رعيته . وأمره إياهم ، بما فيه الرفق بهم، وبإبطال ما يضرهم من تصرفاتهم، التي يمكن فسخها .

وفيه : جواز البيع ، فيمن يدبر. وهو مجمع عليه الآن . وقد كان فيه خلاف ضعيف ، لبعض السلف . انتهى .

قال في "شرح المنتقى" : الحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقا ، من غير تقييد بالفسق والضرورة . وإليه ذهب الشافعي ، وأهل الحديث . ونقله البيهقي في " المعرفة "، عن أكثر الفقهاء .

وقال ابن دقيق العيد : من منع البيع مطلقا ، كان الحديث حجة عليه ، لأن المنع الكلي : يناقضه الجواز الجزئي . ومن أجازه في بعض الصور ، فله أن يقول : قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها . فلا يلزمه القول به ، في غير ذلك من الصور .

انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية