السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
33 (باب منه) وذكره النووي في الباب المتقدم

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 211 - 212 ج1 المطبعة المصرية

[عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .


[ ص: 75 ] (الشرح)

وقد تقدم مثله عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أنس أيضا.

وكان هؤلاء «الثلاثة» سمعوا هذه الزيادات التي في روايتهم في مجلس آخر، ولم يسمعها «عمر ولا أبو بكر» وفي رواية أخرى «حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قال: لا إله إلا الله. فقد عصم مني ماله ونفسه» .

قال عياض: اختصاص عصمة المال والنفس من قال: لا إله إلا الله» تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحد، وهم كانوا أول من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفى في عصمته بقوله «لا إله إلا الله» إذ كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده. فلذلك جاء في هذا الحديث: (وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» .

قال النووي: ولا مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة المتقدم «ويؤمنوا بي وما جئت به» .

وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف: أن الإنسان إذا اعتقد «دين الإسلام» ، اعتقادا جازما لا تردد فيه كفاه ذلك وهو مؤمن من الموحدين، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله بها، خلافا لمن أوجب ذلك من متكلمي الشافعية والمعتزلة، وهو خطأ ظاهر. فإن المراد «التصديق الجازم» ، وقد حصل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالتصديق بما جاء به صلى الله عليه وسلم ولم يشترط المعرفة بالدليل.

[ ص: 76 ] فقد تضافرت بهذا أحاديث في الصحيحين يحصل بمجموعها التواتر بأصلها، والعلم القطعي انتهى.

قال الخطابي: معنى (حسابهم على الله ) . أي: فيما يستترون به ويخفونه دون ما يخلون به في الظاهر من الأحكام الواجبة. وفيه أن من أظهر الإسلام، وأسر الكفر قبل إسلامه في الظاهر. وهذا قول أكثر العلماء، (ويحكى عن أحمد) وقد حقق العلامة الشوكاني، والحافظ ابن الوزير اليماني هذه المسألة في مؤلفاتهما بما لا مزيد عليه، وأظهرا الصواب فيها. والعبد الفقير الجاني في «دليل الطالب على أرجح المطالب» .

وفي الحديث أن الأحكام تجري على الظواهر، والله تعالى يتولى السرائر. وسئل شيخنا وبركتنا «الإمام الشوكاني» ، عن حكم الأعراب «سكان البادية» ، الذين لا يفعلون شيئا من الشرعيات إلا مجرد التكلم بالشهادة؛ هل هم كفار أم لا؟ وهل على المسلمين غزوهم أم لا؟ فأجاب في «إرشاد السائل، إلى أدلة المسائل» ما نصه: «أقول من كان تاركا لأركان الإسلام، وجميع فرائضه، ورافضا لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين، فلا شك ولا ريب أن هذا «كافر» شديد الكفر، حلال الدم والمال؛ فإنه قد ثبت بالأحاديث الصحيحة المتواترة أن عصمة «الدماء والأموال» إنما تكون بالقيام بأركان الإسلام ؛ فالذي يجب على من يجاور هذا الكافر من المسلمين في المواطن والمساكن أن يدعوه إلى العمل بأحكام الإسلام، والقيام بما يجب عليه القيام على التمام؛ ويبذل تعليمه، [ ص: 77 ] ويلين له القول، ويسهل عليه الأمر، ويرغبه في الثواب، ويخوفه من العقاب. فإن قبل منه، ورجع إليه، وعول عليه. فذاك، أو يوصله إلى من هو أعلم منه بأحكام الإسلام، «وإن أصر ذلك الكافر على كفره وجب على من يبلغه أمره من المسلمين أن يقاتلوه» ، حتى يعمل بأحكام الإسلام على التمام؛ فإن لم يعمل فهو حلال الدم والمال، وحكمه حكم أهل الجاهلية، وما أشبه الليلة بالبارحة !.

وقد أبان لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا. «ما نعتمده في قتال الكافرين» والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا الشأن كثيرة معلومة لكل فرد من أهل العلم، بل هذا الأمر هو الذي بعث الله سبحانه فيه رسوله وأنزل لأجله كتبه؛ والتطويل في شأنه، والاشتغال بنقل برهانه من باب إيضاح الواضح وتبيين البين.

وبالجملة: فإذا صح الإصرار على «الكفر» فالدار دار حرب بلا شك ولا شبهة، والأحكام الأحكام.

وقد اختلف المسلمون في غزو الكفار إلى ديارهم، هل يشترط فيه «الإمام الأعظم أم لا؟» والحق الحقيق بالقبول، أن ذلك واجب على كل فرد من أفراد المؤمنين؛ والآيات القرآنية والأحاديث النبوية مطلقة غير مقيدة انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية