السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2798 [ ص: 17 ] باب لا يبع حاضر لباد

وقال النووي: ( باب تحريم بيع الحاضر للبادي ) .

وعبارة المنتقى: (باب النهي: أن يبيع حاضر لباد ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص164 ج10 المطبعة المصرية

[عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس؛ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تتلقى الركبان. وأن يبيع حاضر لباد .

قال: فقلت لابن عباس: ما قوله حاضر لباد ؟ قال لا يكن له سمسارا].


(الشرح)

(عن ابن عباس "رضي الله عنهما"؛ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن تتلقى الركبان ) .

التنصيص على "الركبان"، في هذا الحديث: خرج مخرج الغالب؛ في أن من يجلب الطعام، يكون في الغالب: راكبا. وحكم الجالب الماشي: حكم الراكب.

ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة، فإن فيه: النهي عن تلقي [ ص: 18 ] الجلب، من غير فرق. وحديث ابن مسعود، فإن فيه: النهي عن تلقي البيوع.

(وأن يبيع حاضر لباد ) .

"الحاضر": ساكن الحضر. "والبادي": ساكن البادية.

قال في القاموس: الحضر. والحضرة. والحاضرة. والحضارة، وتفتح: خلاف البادية. والحضارة: الإقامة في الحضر.

قال: والبدو، والبادية، والباداة. والبداوة: خلاف الحضر. وتبدي: أقام بها، وتبادى: تشبه بأهلها. والنسبة: "بداوي"، وبداوي، وبدوي.

وبدا القوم بدا. خرجوا إلى البادية. انتهى.

(قال ) طاوس: (فقلت لابن عباس: ما قوله: حاضر لباد ؟ قال: لا يكن له سمسارا ) بسينين مهملتين.

قال في الفتح: هو في الأصل: القيم بالأمر، والحافظ. ثم استعمل في متولي البيع والشراء لغيره. انتهى.

[ ص: 19 ] وفي رواية: "لا يبع حاضر لباد. دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض".

وفي رواية عن أنس: "نهينا: أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه، أو أباه".

قال النووي: هذه الأحاديث، تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي. وبه قال الشافعي، والأكثرون.

والمراد به: أن يقدم غريب من البادية، أو من بلد آخر: بمتاع تعم الحاجة إليه، ليبيعه بسعر يومه. فيقول له البلدي: اتركه عندي، لأبيعه "على التدريج"؛ بأعلى.

ولو خالف وباع: صح البيع مع التحريم. وبه قال جماعة من المالكية، وغيرهم.

وقال عطاء، ومجاهد، وأبو حنيفة: يجوز مطلقا، لحديث: "الدين النصيحة". قالوا: وحديث النهي هذا، منسوخ.

وقال بعضهم: إنه على كراهة التنزيه، بمجرد الدعوى. انتهى.

قلت: وكذا القول بنسخه: دعوى مجردة عن الدليل. قال في الفتح: لأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ، ولم ينقل ذلك.

وأيضا استظهروا على الجواز: بالقياس، على توكيل البادي للحاضر. فإنه جائز. ولكن هذا القياس فاسد الاعتبار. لمصادمة النص. على أن أحاديث الباب، أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا.

[ ص: 20 ] فيبنى العام على الخاص. "والنصيحة": لا تنحصر في هذا البيع. لأنه يمكن أن يعرفه، أن قيمتها: كذا. ونحوه. فيجمع بذلك بين المصلحتين. انتهى.

قلت: قد عرفت: أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا، من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع. فيبنى العام على الخاص، كما تقدم.

وبالجملة؛ أحاديث الباب، تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي. من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له، أو أجنبيا. وسواء كان في زمن الغلاء أو لا. وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا. وسواء باعه له على التدريج، أم دفعة واحدة.

وللفقهاء تفاريع في ذلك كثيرة، ولكنه لا يخفى: أن تخصيص العموم بمثلها: من التخصيص بمجرد الاستنباط.

وقد ذكر ابن دقيق العيد، فيه تفصيلا؛

حاصله: أنه يجوز التخصيص به، حيث يظهر المعنى. لا حيث يكون خفيا. فاتباع اللفظ أولى. ولكنه لا يطمئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا. فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى. فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم. وسواء كان بأجرة أم لا. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية