السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3003 [ ص: 66 ] باب من استسلف شيئا، فقضى خيرا منه،

وخيركم أحسنكم قضاء

وقال النووي: ( باب جواز اقتراض الحيوان، واستحباب توفيته خيرا مما عليه ) .

وقال في المنتقى: (باب جواز الزيادة عند الوفاء، والنهي عنها قبله ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص38 ج11 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة، قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق، فأغلظ له. فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لصاحب الحق مقالا" فقال لهم: "اشتروا له سنا، فأعطوه إياه". فقالوا: إنا لا نجد إلا سنا. هو خير من سنه. قال: "فاشتروه فأعطوه إياه. فإن من خيركم -أو خيركم-: أحسنكم قضاء" .]


(الشرح)

(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه؛ (قال: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق، فأغلظ له. فهم به أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن لصاحب الحق مقالا". )

[ ص: 67 ] فيه: أنه يحتمل من صاحب الدين: الكلام المعتاد، في المطالبة.

وهذا الإغلاظ هنا: محمول على تشدد في المطالبة ونحو ذلك، من غير كلام فيه قدح أو غيره، مما يقتضي الكفر.

ويحتمل: أن القائل الذي له الدين، كان كافرا من اليهود أو غيرهم، والله أعلم.

وفيه: دليل على جواز المطالبة بالدين، إذا حل أجله.

وفيه أيضا: دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتواضعه، وإنصافه.

وفيه: دليل على جواز قرض الحيوان.

(فقال لهم اشتروا له سنا ) . أي: جملا بسن معين.

(فأعطوه إياه. فقالوا: إنا لا نجد إلا سنا هو خير من سنه. قال: "فاشتروا له فأعطوه إياه. فإن من خيركم - أو خيركم - أحسنكم قضاء". )

وفي لفظ آخر: "إن خيار الناس، أحسنهم قضاء".

وفي رواية أخرى: "خياركم محاسنكم قضاء" ) .

وفيه: جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض، إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد. وبه قال الجمهور.

[ ص: 68 ] والظاهر: أن الزيادة كانت في العدد، لما في البخاري: "كانت قيراطا".

وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد، فتحرم اتفاقا.

ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين: جواز الهدية ونحوها قبل القضاء، لأنها منزلة الرشوة، فلا تحل.

قال المحاملي: يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ، لهذا الحديث. انتهى.

قلت: وهذا من السنة، ومكارم الأخلاق، وليس هو من قرض جر منفعة. فإنه منهي عنه.

وأما إذا قضى المقترض المقرض ، دون حقه، وحلله من البقية: كان ذلك جائزا.

[ ص: 69 ] قال النووي: وفي هذا الحديث: جواز الاقتراض، والاستدانة. وإنما اقترض النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحاجة. وكان يستعيذ بالله من المغرم "وهو الدين".

وفي جواز اقتراض الحيوان: ثلاثة مذاهب؛

مذهب الشافعي، ومالك، وجماهير العلماء؛ من السلف والخلف: أنه يجوز، إلا الجارية لمن يملك وطأها، فإنه لا يجوز. ويجوز لمن لا يملك؛ كالمرأة، والخنثى، ومحارمها.

الثاني: مذهب المزني، وابن جرير، وداود: أنه يجوز قرض الجارية، وسائر الحيوان، لكل واحد.

الثالث: مذهب أبي حنيفة والكوفيين: أنه لا يجوز قرض شيء من الحيوان. وهذه الأحاديث ترد عليهم. ولا تقبل دعواهم النسخ؛ بغير دليل.

قال: وفيه: جواز السلم في الحيوان. وحكمه: حكم القرض.

التالي السابق


الخدمات العلمية