السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2924 [ ص: 80 ] باب في "مطل الغني ظلم" والحوالة

وقال النووي: ( باب تحريم مطل الغني، وصحة الحوالة، واستحباب قبولها، إذا أحيل على مليء ) .

ولفظ المنتقى: (باب وجوب قبول الحوالة على المليء ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص228 ج10 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء، فليتبع" .]


(الشرح)

(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مطل الغني ظلم" ) .

فيه: إضافة المصدر إلى الفاعل، عند الجمهور

والمعنى: أنه يحرم على الغني القادر: أن يمطل صاحب الدين، بخلاف العاجز.

وقيل: هو من باب إضافة المصدر إلى المفعول. أي: يجب على المستدين: أن يوفي صاحب الدين، ولو كان المستحق للدين غنيا، فإن مطله ظلم. فكيف إذا كان فقيرا ؟ فإنه يكون ظلما بالأولى.

[ ص: 81 ] ولا يخفى بعد هذا. كما قال الحافظ، والشوكاني.

والمطل في الأصل: "المد".

وقال الأزهري: المدافعة.

قال في الفتح: المراد هنا: تأخير ما استحق أداؤه، بغير عذر. انتهى.

قال عياض وغيره: مطل الغني، ظلم وحرام. ومطل غير الغني، ليس بظلم ولا حرام. لمفهوم الحديث، ولأنه معذور.

ولو كان غنيا، ولكنه ليس متمكنا من الأداء، لغيبة المال، أو لغير ذلك: جاز له التأخير إلى الإمكان. وهذا مخصوص من مطل الغني.

أو يقال: المراد بالغني: المتمكن من الأداء، فلا يدخل هذا فيه.

وقد اختلف: هل المطل مع الغنى كبيرة أم لا ؟

وقد ذهب الجمهور: إلى أنه موجب للفسق.

واختلفوا: هل يفسق بمرة، أو يشترط التكرار ؟ وهل يعتبر الطلب من المستحق، أم لا ؟

قال في الفتح: وهل يتصف بالمطل: من ليس القدر الذي عليه حاضرا عنده، لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا ؟

أطلق أكثر الشافعية: عدم الوجوب.

[ ص: 82 ] وصرح بعضهم: بالوجوب مطلقا.

وفصل آخرون؛ بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصي به فيجب. وإلا فلا. انتهى.

قال في النيل: والظاهر الأول، لأن القادر على التكسب ليس بمليء. والوجوب: إنما هو عليه فقط. لأن تعليق الحكم بالوصف، مشعر بالعلية. انتهى.

قال بعضهم: وفي هذا الحديث: دلالة لمذهب مالك، والشافعي، والجمهور: أن المعسر لا يحل حبسه، ولا ملازمته، ولا مطالبته، حتى يوسر.

(وإذا أتبع أحدكم على مليء ) قيل: هو بالهمز.

وقيل: بغير همز؛ ويدل على ذلك قول الكرماني: "الملي كالغني، لفظا ومعنى".

وقال الخطابي: إنه في الأصل "بالهمز". ومن رواه بتركها، فقد سهله.

(فليتبع ) بإسكان التاء فيهما. مثل "أخرج فليخرج". هذا هو الصواب، المشهور في الروايات، والمعروف في كتب اللغة، وكتب غريب الحديث.

ونقل عياض وغيره، عن بعض المحدثين: أنه يشددها في الكلمة الثانية.

[ ص: 83 ] والصواب: الأول. قاله النووي.

وأقول: يعني: أتبع بضم الهمزة وسكون التاء، على البناء للمجهول. قال القرطبي: عند الجميع. وأما "فليتبع" فالأكثر: على التخفيف.

قال النووي: ومعناه: إذا أحيل بالدين الذي له على موسر، فليحتل. يقال منه: تبعت الرجل لحقي، أتبعه تباعة، فأنا تبع: إذا طلبته. قال تعالى: ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا .

وقبول هذا: مستحب عند الجمهور. لأنهم حملوا الحديث على الندب. انتهى.

قال الحافظ: ووهم من نقل فيه الإجماع. انتهى.

قال النووي: وقيل: مباح، لا مندوب.

وقيل: واجب، لظاهر الأمر. وهو مذهب داود الظاهري، وغيره. انتهى.

قلت: وإليه ذهب أكثر الحنابلة، وأبو ثور، وابن جرير. وهو الموافق لظاهر لفظ الحديث. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية