السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3019 [ ص: 100 ] باب غرز الخشب في جدار الجار

وفي النووي: "غرس" بدل "غرز".

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص47 ج11 المطبعة المصرية

[ حدثنا يحيى بن يحيى. قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنع أحدكم جاره: أن يغرز خشبة، في جداره" . قال: ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين ؟ والله! لأرمين بها بين أكتافكم ].


(الشرح)

(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يمنع أحدكم جاره: أن يغرز خشبة في جداره" ) .

قال عياض: روينا "خشبة" في صحيح مسلم، وغيره من الأصول والمصنفات: بالإفراد. و"خشبه": بالجمع.

قال عبد الغني بن سعيد: كل الناس يقولونه بالجمع، إلا الطحاوي.

[ ص: 101 ] (قال: ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين ؟ ) أي: عن هذه السنة، والخصلة، والموعظة الحسنة، أو الكلمات الطيبات.

(والله! لأرمين بها بين أكتافكم (بالتاء الفوقية. أي بينكم.

قال عياض: وقد رواه بعض رواة الموطأ. "أكنافكم" بالنون. ومعناه أيضا: "بينكم" والكنف: "الجانب". ومعنى الأول: أني أصرخ بها بينكم، وأوجعكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه.

قال في مجمع البحار: "والله! لأرمين بها بين أكتافكم". يروى بتاء ) ، بمعنى: أنه إذا كانت على ظهورهم، وبين أكتافهم، لا يقدرون أن يعرضوا عنها، لأنهم حاملوها.

ويروى بنون، بمعنى: أنه يرميها في أفنيتهم، ونواحيهم، فكلما مروا فيها رأوها، فلا يقدرون أن ينسوها.

وجاء في رواية أبي داود: "فنكسوا رءوسهم، فقال: ما لي أراكم أعرضتم ؟".

ولله در أبي هريرة! فقد نصر السنة الثابتة جهارا، ولم يخف في الله لومة لائم. وهكذا شأن من صار قدوة في الإسلام، وإماما بين الأنام.

ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلينصر الحق، كما نصره هذا الصحابي الجليل القدر.

[ ص: 102 ] قال في النيل: الحديث يدل على أنه، لا يحل للجار: أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره، ويجبره الحاكم إذا امتنع. وبه قال أحمد، وإسحاق. انتهى.

قال النووي: اختلف العلماء في معنى هذا الحديث؛ هل هو على الندب إلى تمكين الجار، من وضع الخشب على جدار جاره ؟ أم على الإيجاب ؟

والأصح عند الشافعي، وأصحاب مالك: "الندب" وبه قال أبو حنيفة، والكوفيون.

وبالإيجاب قال أحمد، وأبو ثور، وأصحاب الحديث. قال: وهو ظاهر الحديث: ومن قال بالندب قال: ظاهر الحديث: أنهم توقفوا عن العمل، فلهذا قال: ما لي أراكم عنها معرضين ؟ وهذا يدل على أنهم فهموا منه "الندب"، لا الإيجاب. ولو كان واجبا، لما أطبقوا على الإعراض عنه. والله أعلم. انتهى.

قلت: ولو سلم أنهم فهموا "الندب"، فلا حجة في فهم أحد من الصحابة، ولا يترك العمل بالحديث بترك العمل به من أحد؛ كائنا من كان.

ولم يحصل الاتفاق على هذا الفهم. ولو حصل، لما قال أبو هريرة ما قال. ولم يفهم أبو هريرة هذا كما فهموا. والله أعلم.

[ ص: 103 ] وبالجملة؛ حمل الجمهور النهي على التنزيه، جمعا بينه وبين الأدلة القاضية: بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه.

وتعقب: بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا، فيبنى العام على الخاص.

قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة، ما يعارض هذا الحكم، إلا عمومات لا يستنكر أن يخصها.

وحمل بعضهم الحديث: على ما إذا تقدم استئذان الجار، كما في رواية لأبي داود بلفظ: "إذا استأذن أحدكم أخاه" وفي رواية لأحمد: "من سأله جاره". وكذا في رواية لابن حبان. فإذا تقدم الاستئذان ، لم يكن للجار المنع، لا إذا لم يتقدم. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية