السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
2897 [ ص: 122 ] باب المساقاة، ومعاملة الأرض بجزء من الثمر والزرع

وقال النووي: (في كتاب المساقاة والمزارعة: "والمساقاة: ما كان في النخل، والكرم، وجميع الشجر الذي يثمر: بجزء معلوم من الثمرة للأجير". ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص209 - 210 ج10 المطبعة المصرية

[ عن ابن عمر، قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر: بشطر ما يخرج من ثمر، أو زرع. فكان يعطي أزواجه (كل سنة ) : مائة وسق: ثمانين وسقا من تمر، وعشرين وسقا من شعير. فلما ولي عمر قسم خيبر، خير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقطع لهن الأرض والماء، أو يضمن لهن الأوساق كل عام، فاختلفن؛ فمنهن من اختار الأرض والماء. ومنهن من اختار الأوساق كل عام.

فكانت عائشة وحفصة ممن اختارتا الأرض والماء ].


(الشرح)

(عن ابن عمر ) رضي الله عنهما: (قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر: بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع ) .

[ ص: 123 ] وفي رواية: "على أن يعتلوها من أموالهم. ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شطر ثمرها".

وفيه: جواز المزارعة: بالجزء المعلوم؛ من نصف، أو ربع، أو ثمن، أو نحوها.

والشطر هنا بمعنى النصف.

قال النووي: في هذه الأحاديث جواز المساقاة. وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والليث، وجميع فقهاء المحدثين، وأهل الظاهر، وجماهير العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يجوز. وتأول هذه الأحاديث: على أن "خيبر" فتحت عنوة، وكان أهلها عبيدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فما أخذه فهو له، وما تركه فهو له.

واحتج الجمهور: بظواهر هذه الأحاديث، وبقوله: "أقركم ما أقركم الله". وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيدا. انتهى.

واستدل به على جواز المساقاة، مدة مجهولة. وبه قال أهل الظاهر.

[ ص: 124 ] وخالفهم الجمهور، وتأولوا الحديث: بأن المراد: مدة العهد، وأن لنا إخراجكم بعد انقضائها ، ولا يخفى بعده.

وقيل: إن ذلك كان في أول الأمر، خاصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يحتاج إلى دليل.

قال عياض: اختلفوا في "خيبر"، هل فتحت عنوة أو صلحا ؟ أو بجلاء أهلها عنها بغير قتال ؟ أو بعضها صلحا وبعضها عنوة وبعضها جلاء عنه أهله ؟ أو بعضها صلحا وبعضها عنوة ؟ قال: وهذا أصح الأقوال، وهي رواية مالك ومن تابعه، وبه قال ابن عيينة. وفي كل قول أثر مروي.

وأما الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة، فسبق الجواب عنها، وأنها محمولة على ما إذا شرطا لكل واحد: قطعة معينة من الأرض.

وقد صنف ابن خزيمة "كتابا" في جواز المزارعة، واستقصى فيه وأجاد، وأجاب عن الأحاديث بالنهي. والله أعلم.

وقد ساق البخاري عن السلف: آثارة في ذلك، ولعله أراد بذكرها: الإشارة إلى أن الصحابة، لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز، خصوصا أهل المدينة.

وقد تمسك بهذا الحديث ونحوه: جماعة من السلف. قال الحازمي: روي عن علي، وابن مسعود، وعمار، وابن المسيب، وابن سيرين، [ ص: 125 ] وعمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، والزهري. ومن أهل الرأي: أبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن.

فقالوا: تجوز المزارعة، والمساقاة: بجزء من الثمر أو الزرع. قالوا: ويجوز العقد عليهما "مجتمعتين"؛ فتساقيه على النخل، وتزارعه على الأرض، كما جرى في خيبر. ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة. قال النووي: وهذا هو الظاهر المختار، لحديث خيبر. انتهى.

وحملوا أحاديث النهي على التنزيه ، أو على اشتراط الناحية المعينة. قال النووي: إن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار، مستمرون على العمل بالمزارعة.

(فكان يعطي أزواجه "كل سنة" مائة وسق: ثمانين وسقا من تمر، وعشرين وسقا من شعير ) .

قال أهل العلم: هذا دليل على أن البياض الذي كان بخيبر، الذي هو موضع الزرع: أقل من الشجر. (فلما ولي عمر ) رضي الله عنه (قسم خيبر ) يعني: قسمها بين المستحقين، وسلم إليهم نفس الأرض، حين أخذها من اليهود، حين أجلاهم عنها.

(خير أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن يقطع لهن الأرض والماء، أو يضمن لهن الأوساق كل عام ؟ فاختلفن؛ فمنهن من [ ص: 126 ] اختار الأرض والماء. ومنهن من اختار الأوساق كل عام. فكانت عائشة وحفصة ) ، رضي الله عنهما، (ممن اختار الأرض والماء ) .

وهذه المعاملة كانت برضاهن. وقد اقتسم أهل السهمان سهمانهم، وصار لكل واحد سهم معلوم، من أرض أو وسق.

وفيه: دليل على مذهب الشافعي ومرافقيه: أن الأرض التي تفتح عنوة تقسم بين الغانمين الذين افتتحوها. كما تقسم بينهم الغنيمة المنقولة: بالإجماع. لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قسم خيبر بينهم.

وقال مالك وأصحابه: يقفها الإمام على المسلمين، كما فعل عمر في أرض سواد العراق.

وقال أبو حنيفة، والكوفيون: يتخير الإمام، بحسب المصلحة في قسمتها. أو تركها في أيدي من كانت لهم: بخراج يوظفه عليها، وتصير ملكا لهم، كأرض الصلح. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية