السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3044 باب النهي: أن يعود في الصدقة

وقال النووي: ( باب كراهة شراء الإنسان: ما تصدق به، ممن تصدق عليه ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص62 ج11 المطبعة المصرية

[عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قال: حملت على فرس عتيق، في سبيل الله. فأضاعه صاحبه. فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال: "لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك. فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه" .]


(الشرح)

(عن عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه: (قال: حملت على فرس عتيق في سبيل الله ) .

معناه: تصدقت به، ووهبته لمن يقاتل عليه في سبيل الله.

والعتيق: الفرس النفيس، الجواد، السابق.

[ ص: 166 ] (فأضاعه صاحبه ) . أي: قصر في القيام بعلفه ومؤونته.

(فظننت: أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم عن ذلك ؟ فقال: لا تبتعه، ولا تعد في صدقتك ) .

قال النووي: هذا نهي تنزيه لا تحريم؛ فيكره لمن تصدق بشيء، أو أخرجه في زكاة أو كفارة أو نذر، ونحو ذلك من القربات: أن يشتريه ممن دفعه هو إليه، أو يتهبه، أو يتملكه باختياره منه. فأما إذا ورثه منه: فلا كراهة فيه. وكذا لو انتقل إلى ثالث، ثم اشتراه منه المتصدق، فلا كراهة.

قال: هذا مذهبنا، ومذهب الجمهور. وقال جماعة من العلماء: النهي عن شراء صدقته: للتحريم. والله أعلم. انتهى.

قلت: وهذا أوفق بظاهر الحديث، وأنسب للقاعدة الأصولية. ويدل له: ما في حديث آخر: "لا تشتره، وإن أعطيته بدرهم".

(فإن العائد في صدقته، كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه ) . وفي حديث ابن عباس، عند مسلم يرفعه: "مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه، فيأكله". وله ألفاظ.

[ ص: 167 ] وهذا صريح في تحريم العود في الصدقة. لأن القيء حرام، فالمشبه به مثله. وأيضا: الرواية الدالة على التحريم، غير منافية للرواية الدالة على الكراهة، على تسليم دلالتها على الكراهة فقط. لأن الدال على التحريم: قد دل على الكراهة زيادة.

قال القرطبي: إن التحريم، هو الظاهر من سياق الحديث. وإن الأكثر حملوه: على التنفير خاصة، لكون القيء مما يستقذر.

ويؤيد القول بتحريم العود: قوله "صلى الله عليه وآله وسلم" في الهبة: "ليس لنا مثل السوء". وكذلك قوله: "لا يحل للرجل" ) . والله أعلم.

قال الطبري: ومما لا رجوع فيه مطلقا: "الصدقة" يراد بها ثواب الآخرة. قال في الفتح: اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية