السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3104 [ ص: 232 ] كتاب الأيمان ومثله في النووي.

وقال في المنتقى : (أبواب الأيمان ، وكفارتها ) .

باب النهي أن يحلف بأبيه.

وقال النووي : ( باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 104 - 105 ج11 المطبعة المصرية

[ عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"

قال عمر : والله ! ما حلفت بها ، منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، ذاكرا ولا آثرا.]


(الشرح)

(عن عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه : (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم : "إن الله عز وجل ينهاكم : أن تحلفوا بآبائكم ". )

[ ص: 233 ] وزاد في رواية أخرى : " فمن كان حالفا ، فليحلف بالله ، أو ليصمت ".

قال أهل العلم : الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله تعالى : أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه ، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده. فلا يحلف إلا به ، وبذاته ، وصفاته. ولا يضاهى به غيره. وعلى ذلك اتفق الفقهاء.

وقد جاء عن ابن عباس : لأن أحلف بالله مائة مرة فآثم ، خير من أن أحلف بغيره فأبر.

واختلف ؛ هل الحلف بغير الله : حرام أو مكروه ؟ للمالكية والحنابلة : قولان.

وحكى ابن عبد البر : الإجماع على عدم جوازه ، وهو محمول على أعم من التحريم والتنزيه.

وبالثاني : قال جمهور الشافعية. وبالأول : جزم ابن حزم.

وقال الجويني : المذهب : " القطع بالكراهة ".

وجزم غيره بالتفصيل ؛ فإن اعتقد في المحلوف به ما يعتقد في الله : كان بذلك الاعتقاد كافرا.

وأما ما ورد في القرآن من القسم بغير الله : ففيه جوابان ؛ أحدهما : أن فيه حذفا. والتقدير : ورب الشمس ونحوه.

[ ص: 234 ] والثاني : أن ذلك يختص بالله. فإذا أراد تعظيم شيء من مخلوقاته: أقسم به. وليس لغيره ذلك.

وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم، للأعرابي : " أفلح وأبيه ! إن صدق " : فالجواب عنه بوجوه ؛

الأول : الطعن في صحة هذه اللفظة. قال ابن عبد البر : إنها غير محفوظة. وزعم : أن أصل الرواية : " أفلح والله ! " فصحفها بعضهم.

الثاني : أن هذه كلمة تجري على اللسان ، لا تقصد بها اليمين. قاله النووي. والنهي في حق من قصد حقيقة الحلف. قاله البيهقي. قال النووي : وإنه الجواب المرضي.

الثالث : أنه كان يقع في كلامهم على وجهين ؛ للتعظيم ، والتأكيد. والنهي إنما وقع عن الأول.

الرابع : أن ذلك كان جائزا ثم نسخ. قاله الماوردي. قال السهيلي: أكثر الشراح عليه.

قال المنذري : دعوى النسخ ضعيفة. لإمكان الجمع ، ولعدم تحقق التاريخ.

الخامس : أنه كان في ذلك حذف. والتقدير : " أفلح ورب أبيه !.

السادس : أنه للتعجيب.

السابع : أنه خاص بالنبي " صلى الله عليه وآله وسلم ". وتعقب : بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال.

[ ص: 235 ] وحديث الباب وما في معناه : يدل على أن الحلف بغير الله لا ينعقد ، لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه. وإليه ذهب الجمهور.

وقال بعض الحنابلة : إن الحلف بالنبي "صلى الله عليه وآله وسلم " ، ينعقد وتجب الكفارة.

قلت : وهذا يحتاج إلى دليل.

وأرجح المذاهب في هذا : أن الحلف بغير الله " سبحانه وتعالى " حرام ، لعموم حديث الباب وغيره. ولفظة "الكراهة ": تستعمل في كلام السلف موضع التحريم. ولا وجه لحملها على النزاهة ، فإنه يخالف صريح الحديث الصحيح. والله أعلم.

(قال عمر : فوالله ! ما حلفت بها ، منذ سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها. ذاكرا ) أي : قائلا لها من قبل نفسي (ولا آثرا ) بالمد. أي : حالفا عن غيري.

قال النووي : في هذا الحديث : إباحة الحلف بالله تعالى ، وصفاته كلها. وهذا مجمع عليه.

وفيه : النهي عن الحلف بغير أسمائه وصفاته. وهو عند أصحابنا :

مكروه وليس بحرام. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية