السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3124 [ ص: 243 ] باب استحباب الثنيا في اليمين

وقال النووي : ( باب الاستثناء في اليمين وغيرها ) .

وقال في المنتقى : ( باب من حلف فقال : إن شاء الله تعالى ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 119 - 120 ج11 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله. فقال له صاحبه، أو الملك: قل إن شاء الله. فلم يقل. ونسي. فلم تأت واحدة من نسائه، إلا واحدة جاءت بشق غلام". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولو قال: -إن شاء الله-: لم يحنث، وكان دركا له في حاجته" ].


(الشرح)

(عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم قال : " قال سليمان بن داود نبي الله ) عليهما السلام : (لأطوفن الليلة على سبعين امرأة " ) . وفي بعض النسخ : (لأطيفن الليلة ) .

قال النووي : هما لغتان فصيحتان. طاف بالشيء وأطاف به : إذا دار حوله وتكرر عليه ، فهو طائف ومطيف. وهو هنا : كناية عن الجماع.

[ ص: 244 ] وفي رواية : (كان لسليمان ستون امرأة ) ، إلى قوله : (لو كان استثنى ، ولدت كل واحدة منهن غلاما فارسا ، يقاتل في سبيل الله ) .

وفي رواية : (تسعون ) .

وفي غير صحيح مسلم : (تسع وتسعون ) .

وفي رواية : (مائة ) .

وهذا كله ليس بمتعارض ، لأنه ليس في ذكر القليل نفي الكثير. وهو من مفهوم العدد ، ولا يعمل به عند جماهير الأصوليين.

وفي هذا : بيان ما خص به الأنبياء " عليهم السلام " ، من القوة على إطاقة هذا في ليلة واحدة. وكان نبينا " صلى الله عليه وآله وسلم " : يطوف على إحدى عشرة امرأة له ، في الساعة الواحدة. كما ثبت في الصحيح. وهذا كله من زيادة القوة.

(كلهن تأتي بغلام ، يقاتل في سبيل الله ) . هذا قاله على سبيل التمني للخير. وقصد به الآخرة ، والجهاد في سبيل الله تعالى. لا لغرض الدنيا.

(فقال له صاحبه أو الملك : قل : إن شاء الله تعالى (. قيل : المراد بصاحبه : الملك. وهو الظاهر من لفظه. وقيل : القرين. وقيل : صاحب له آدمي.

وقد يحتج به : من يقول بجواز انفصال الاستثناء.

[ ص: 245 ] وأجاب الجمهور عنه : بأنه يحتمل أن يكون صاحبه قال له ذلك ، وهو بعد في أثناء اليمين.

أو أن الذي جرى منه : ليس بيمين. فإنه ليس في الحديث تصريح بيمين. والله أعلم.

(فلم يقل ، ونسي ) ضبطه بعض الأئمة : بضم النون ، وتشديد السين. قال النووي : وهو ظاهر حسن.

(فلم تأت واحدة من نسائه ، إلا واحدة جاءت بشق غلام (. قيل : هو الجسد الذي ذكره الله تعالى : أنه ألقي على كرسيه ) .

وفي رواية : (نصف إنسان ) .

وفي أخرى : (بشق رجل ) والمعنى واحد.

(قال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " ولو قال : إن شاء الله لم يحنث ، وكان دركا له في حاجته ". )

" الدرك " بفتح الراء : اسم ، من الإدراك. أي : لحاقا. قال تعالى : لا تخاف دركا .

وفي هذا الحديث فوائد؛

منها : أنه يستحب للإنسان ، إذا قال : سأفعل كذا : أن يقول: [ ص: 246 ] " إن شاء الله تعالى ". لقوله تعالى : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا . ولهذا الحديث.

ومنها : أنه إذا حلف ، وقال - متصلا بيمينه - : إن شاء الله تعالى ، لم يحنث بفعله المحلوف عليه. وأن الاستثناء منع انعقاد اليمين. لقوله " صلى الله عليه وآله وسلم " في هذا الحديث: "لو قال : إن شاء الله ، لم يحنث. وكان دركا لحاجته ".

قال النووي : يشترط لصحة هذا الاستثناء شرطان ؛

أحدهما : أن يقوله متصلا باليمين.

والثاني : أن يكون نوى قبل فراغ اليمين : أن يقول : " إن شاء الله تعالى ".

قال في النيل : فيه دليل على أن التقييد بمشيئة الله ، مانع من انعقاد اليمين. أو يحل انعقادها. وقد ذهب إلى ذلك الجمهور. وادعى عليه ابن العربي الإجماع. انتهى.

قال النووي: قال القاضي : أجمع المسلمون على أن قوله : " إن شاء الله " : منع انعقاد اليمين ، بشرط كونه متصلا. قال : ولو جاز منفصلا كما روي عن بعض السلف : لم يحنث أحد قط في يمين ، ولم يحتج إلى كفارة.

قال : واختلفوا في الاتصال ؛

[ ص: 247 ] فقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، والجمهور : هو أن يكون قوله : " إن شاء الله " : متصلا باليمين ، من غير سكوت بينهما. ولا تضر سكتة النفس.

وعن طاوس ، والحسن ، وجماعة من التابعين : أن له الاستثناء ، ما لم يقم من مجلسه.

وقال قتادة : ما لم يقم ، أو يتكلم.

وقال عطاء : قدر حلبة ناقة.

وقال سعيد بن جبير : بعد أربعة أشهر.

وعن ابن عباس : له الاستثناء أبدا ، متى تذكره. انتهى.

قال في النيل : ولا فرق بين الحلف بالله ، أو بالطلاق ، أو العتاق : أن التقييد بالمشيئة يمنع الانعقاد. وإلى ذلك ذهب الجمهور. وبعضهم فصل.

واستثنى أحمد العتاق ، لحديث : " إن قال لعبده : أنت حر إن شاء الله تعالى ، فإنه حر ". ولكن تفرد به حميد بن مالك ، وهو مجهول. كما قال البيهقي.

قال الشوكاني : والظاهر من أحاديث الباب : أن التقييد إنما يفيد ، إذا وقع بالقول: كما ذهب إليه الجمهور ، لا مجرد النية. إلا ما زعمه مالك. وقد بوب البخاري على ذلك ، فقال : ( باب النية في الأيمان ) . انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية