السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3121 [ ص: 248 ] باب : يمين الحالف على نية المستحلف

وقال النووي : ( باب : اليمين على نية المستحلف ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 118 ج11 المطبعة المصرية

[ (عن أبي هريرة رضي الله عنه : (قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليمين على نية المستحلف" ) .]


(الشرح)

" المستحلف " : بكسر اللام.

قال النووي : وهذا محمول على الحلف باستحلاف القاضي. فإذا ادعى رجل على رجل حقا فحلفه القاضي فحلف ، وورى فنوى غير ما نوى القاضي : انعقدت يمينه على ما نواه القاضي ، ولا تنفعه التورية.

قال : وهذا مجمع عليه. ودليله : هذا الحديث ، والإجماع.

فأما إذا حلف بغير استحلاف القاضي ، وورى تنفعه التورية ، ولا يحنث. سواء حلف ابتداء من غير تحليف ، أو حلفه غير القاضي وغير نائبه في ذلك. ولا اعتبار بنية المستحلف غير القاضي.

وحاصله : أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال ، إلا إذا [ ص: 249 ] استحلفه القاضي أو نائبه ، في دعوى توجهت عليه. فتكون على نية المستحلف. وهو مراد الحديث.

أما إذا حلف عند القاضي ، من غير استحلاف القاضي ، في دعوى : فالاعتبار بنية الحالف. وسواء في هذا كله : اليمين بالله تعالى ، أو بالطلاق ، أو العتاق. إلا أنه إذا حلفه القاضي بالطلاق ، أو بالعتاق : تنفعه التورية. ويكون الاعتبار بنية الحالف. لأن القاضي ليس له التحليف بالطلاق والعتاق ، وإنما يستحلف بالله تعالى.

واعلم أن التورية وإن كان لا يحنث بها ، فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق مستحق. وهذا مجمع عليه.

قال : وهذا تفصيل مذهب الشافعي وأصحابه. ونقل عياض عن مالك وأصحابه في ذلك : اختلافا.

قلت : وفي حديث آخر عنه ، عند مسلم وأحمد : " يمينك على ما يصدق به صاحبك". وفيه دليل : على أن الاعتبار بقصد المحلف ؛ من غير فرق بين أن يكون المحلف هو الحاكم ، أو الغريم. وبين أن يكون المحلف ظالما ، أو مظلوما. صادقا ، أو كاذبا.

وقيل : هو مقيد بصدق المحلف فيما ادعاه. أما لو كان كاذبا ، كان [ ص: 250 ] الاعتبار بنية الحالف. فما ذهب الشافعية إلى تخصيص الحديث ، بكون المحلف هو الحاكم كما تقدم : فلفظ "صاحبك " في هذا الحديث : يرد عليهم. وكذلك حديث الباب.

قال القاضي : ولا خلاف في إثم الحالف بما يقطع به حق غيره ، وإن ورى. وحكى الإجماع على أن الحالف من غير استحلاف ، ومن غير تعلق حق بيمينه : له نيته ، ويقبل قوله. وأما إذا كان لغيره حق عليه ، فلا خلاف : أنه يحكم عليه بظاهر يمينه ، سواء حلف متبرعا ، أو باستحلاف. انتهى.

قال في النيل : وإذا صح الإجماع ، على خلاف ما يقضي به ظاهر الحديث : كان الاعتماد عليه. ويمكن التمسك لذلك : بحديث سويد بن حنظلة ، فإن "النبي صلى الله عليه وآله وسلم " : حكم له بالبر في يمينه ، مع أنه لا يكون بارا ، إلا باعتبار نية نفسه. لأنه قصد الأخوة المجازية. والمستحلف له : قصد الأخوة الحقيقية. قال : ولعل هذا هو مستند الإجماع. انتهى.

والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية