السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3165 باب من قتل بحجر ، قتل بمثله

وقال النووي : ( باب ثبوت القصاص في القتل بالحجر وغيره ، من المحددات والمثقلات، وقتل الرجل بالمرأة ) .

ولفظ المنتقى : ( باب قتل الرجل بالمرأة ، والقتل بالمثقل. وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا؟ ) .

[ ص: 295 ] (حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 159 ج 11 المطبعة المصرية

[ عن أنس بن مالك؛ أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين. فسألوها: من صنع هذا بك فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهوديا ، فأومت برأسها ، فأخذ اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة ]


(الشرح)

(عن أنس بن مالك رضي الله عنه : (أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين ) ) .

وفي رواية : " أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فقتلها بحجر ".

وفي رواية أخرى : "قتل جارية من الأنصار على حلي لها. ثم ألقاها في القليب ورضخ رأسها بالحجارة ". (فسألوها : من صنع هذا بك ؟ فلان ؟ فلان ؟ حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها. فأخذ [ ص: 296 ] اليهودي فأقر ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن يرض رأسه بالحجارة (.

وفي رواية : " فقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بين حجرين ".

وفي أخرى : "فرضخ رأسه بين حجرين ".

وفي رواية : "فأمر به أن يرجم ، حتى يموت. فرجم حتى مات".

قال النووي : هذه الألفاظ ، معناها واحد. لأنه إذا وضع رأسه على حجر ، ورمي بحجر آخر : فقد رجم. وقد رض. وقد رضخ. وقد يحتمل : أنه رجمها الرجم المعروف مع الرضخ. لقوله : ثم ألقاها في قليب.

قال : وفي هذا الحديث فوائد. منها : قتل الرجل بالمرأة. وهو إجماع من يعتد به.

ومنها : أن الجاني عمدا ، يقتل قصاصا ، على الصفة التي قتل ؛ فإن قتل بسيف قتل هو بالسيف. وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوهما ، قتل بمثله. لأن اليهودي رضخها ، فرضخ هو.

ومنها : ثبوت القصاص في القتل بالمثقلات. ولا يختص بالمحددات. وهذا مذهب الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، وجماهير العلماء.

[ ص: 297 ] وقال أبو حنيفة : لا قصاص إلا في القتل بمحدد ؛ من حديد ، أو حجر ، أو خشب. أو كان معروفا بقتل الناس بالمنجنيق ، أو بالإلقاء في النار.

قال : ومنها : وجوب القصاص ، على الذي يقتل المسلم.

ومنها : جواز سؤال الجريح : من جرحك ؟ وفائدة السؤال : أن يعرف المتهم ، ليطالب. فإن أقر ثبت عليه القتل. وإن أنكر فالقول قوله ، مع يمينه. ولا يلزمه شيء بمجرد قول المجروح. هذا مذهب الشافعية ، ومذهب الجماهير. وأن مذهب مالك : ثبوت القتل على المتهم ، بمجرد قول المجروح. وتعلقوا بهذا الحديث. قال : وهذا تعلق باطل. لأن اليهودي اعترف. كما صرح به مسلم في إحدى رواياته. فإنما قتل باعترافه. انتهى.

قلت : وقد حكى ابن المنذر أيضا : الإجماع على قتل الرجل بالمرأة. وهو مذهب الجمهور. إلا رواية عن علي ، والحسن ، وعطاء .

وقال أبو الزناد : كل من أدركته من فقهائنا ، الذين ينتهى إلى قولهم ، ومن سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل ، قالوا : إن المرأة [ ص: 298 ] تقاد من الرجل ؛ عينا بعين. وأذنا بأذن. وكل شيء من الجراح على ذلك. وإن قتلها قتل بها. انتهى.

واختلف الجمهور ؛ هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة ، أم لا ؟ فحكي عن عثمان البتي ، وعن مالك : أنهم يتوفون نصف دية الرجل.

وذهبت الشافعية ، والحنفية : إلى أنه يقتل الرجل ، ولا توفية.

وعد النووي من فوائد الحديث : أن الجاني عمدا يقتل قصاصا على الصفة التي قتل ؛ فإن قتل بالسيف قتل بالسيف. وإن قتل بحجر أو خشب أو نحوها قتل بمثله. انتهى.

أقول : والراجح : حصر القود في السيف. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " إذا قتلتم ، فأحسنوا القتلة" وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف. ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ، يأمر بضرب عنق من أراد قتله. حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه. فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم : يا رسول الله ! دعني أضرب عنقه. حتى قيل : إن الضرب بغيره مثلة. وقد ثبت النهي عنها.

( [ ص: 299 ] وأما حديث الباب فقد أجيب : بأنه فعل. فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة ، والنهي عن المثلة. والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية