السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3160 [ ص: 325 ] باب من يحلف فيها

وقال النووي : ( باب القسامة ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 151 - 152 ج 11 المطبعة المصرية

[ حدثني إسحاق بن منصور ، أخبرنا بشر بن عمر ، قال : سمعت مالك بن أنس يقول : حدثني أبو ليلى ، عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل ، عن سهل بن أبي حثمة ، أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه : أن عبد الله بن سهل، ومحيصة، خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر؛ أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في عين (أو فقير ) فأتى يهود فقال: أنتم والله! قتلتموه. قالوا: والله! ما قتلناه. ثم أقبل حتى قدم على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه "حويصة" (وهو أكبر منه ) ، وعبد الرحمن بن سهل. فذهب محيصة ليتكلم (وهو الذي كان بخيبر ) . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة : "كبر. كبر" (يريد: السن ) فتكلم حويصة ، ثم تكلم محيصة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إما أن يدوا صاحبكم. وإما أن يؤذنوا بحرب". فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، في ذلك.

فكتبوا: إنا، والله! ما قتلناه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ، ومحيصة ، وعبد الرحمن : "أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟" [ ص: 326 ] قالوا: لا. قال: "فتحلف لكم يهود ؟" قالوا: ليسوا بمسلمين. فواداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده؛ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: مائة ناقة، حتى أدخلت عليهم الدار.

فقال سهل فلقد ركضتني منها ناقة حمراء
.]


(الشرح)

(عن سهل بن أبي حثمة ) ، عن رجال من كبراء قومه : أن عبد الله بن سهل ، ومحيصة ، خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم ) هو بفتح الجيم. وهو الشدة ، والمشقة.

(فأتى محيصة فأخبر ؛ أن عبد الله بن سهل ، قد قتل وطرح في عين. " أو فقير" ) هو على لفظ " الفقير" من الآدميين وهو هنا: البئر القريبة القعر ، الواسعة الفم.

وقيل : هو " الحفيرة " التي تكون حول النخل.

(فأتى يهود فقال : أنتم ، والله ! قتلتموه. قالوا : والله ! ما قتلناه. ثم أقبل حتى قدم على قومه ، فذكر لهم ذلك ) .

هذا الحديث ؛ ذكره مسلم باختلاف ألفاظه وطرقه. وهو أصل [ ص: 327 ] من أصول الشرع ، وقاعدة من قواعد الأحكام ، وركن من أركان مصالح العباد. وبه أخذ العلماء كافة ، من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم من علماء الأمصار الحجازيين والشاميين والكوفيين وغيرهم ، " رحمهم الله تعالى ". وإن اختلفوا في كيفية الأخذ به.

وروي عن جماعة : إبطال القسامة ، وأنه لا حكم لها ولا عمل بها. منهم : البخاري وغيره.

والراجح : هو الأول. ويوضحه : حديث أبي سلمة ، وسليمان : عند أحمد ، ومسلم ، والنسائي ، بلفظ: "إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أقر القسامة ، على ما كانت عليه في الجاهلية ". وكذا حديث الباب هذا ، وغيره.

(ثم أقبل هو وأخوه " حويصة ، (وهو أكبر منه ) ، وعبد الرحمن بن سهل. فذهب محيصة ليتكلم (وهو الذي كان بخيبر ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمحيصة : "كبر. كبر " يريد : السن ) أي : دع من هو أكبر منك سنا يتكلم.

(فتكلم حويصة ) بضم الحاء ، وفتح الواو ، وتشديد الياء. مصغرا. وقد روي التخفيف" ) فيه ، وفي محيصة.

(ثم تكلم محيصة (وكان أصغر من حويصة.

[ ص: 328 ] " ومحيصة " بضم الميم ، وفتح الحاء ، وكسر الياء وتشديدها ، وفتح الصاد.

(فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : " إما أن يدوا صاحبكم. وإما أن يؤذنوا بحرب " ) .

معناه : إن ثبت القتل عليهم بقسامتكم ؛ فإما أن يدوا. أي : يدفعوا إليكم ديته. وإما أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا ، فينتقض عهدهم ، ويصيرون حربا لنا.

وفيه : دليل لمن يقول : الواجب بالقسامة : الدية ، دون القصاص. (فكتب رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم إليهم ، في ذلك. فكتبوا : إنا ، والله ! ما قتلناه. فقال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم لحويصة ، ومحيصة ، وعبد الرحمن : " أتحلفون ، وتستحقون دم صاحبكم ؟ " ) هذا موضع ترجمة الباب.

وفيه : دليل على مشروعية القسامة. ومن قال : إنها غير ثابتة ، قال : لمخالفتها لأصول الشريعة من وجوه ؛

منها : أن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر. والجواب : أنها نفسها ، أصل من أصول الشريعة ، لورود الدليل بها. فتخصص بها الأدلة العامة. وفيها حفظ للدماء ، وزجر للمعتدين. ولا يحل طرح سنة خاصة ، لأجل سنة عامة. هذا وفي رواية : " أتحلفون خمسين [ ص: 329 ] يمينا ، فتستحقون صاحبكم (أو قاتلكم ؟ ) " ومعناه : يثبت حقكم على من حلفتم عليه. وهل ذلك الحق دية ، أو قصاص ؟ فيه الخلاف.

وإنما يجوز لهم الحلف ، إذا علموا ، أو ظنوا ذلك. وإنما عرض صلى الله عليه وآله وسلم عليهم اليمين ، إن وجد فيهم هذا الشرط. وليس المراد : الإذن لهم في الحلف من غير ظن. ولهذا (قالوا : لا ) .

وفي رواية أخرى : " قالوا : كيف نحلف ولم نشهد ؟".

قال مالك ، والشافعي ، والجمهور : يحلف الورثة ، ويجب الحق بحلفهم : خمسين يمينا. واحتجوا بهذا الحديث.

وفيه : التصريح بالابتداء بيمين المدعي. وهو ثابت من طرق كثيرة صحاح لا تندفع. قال مالك : وعليه أجمعت الأمة ، قديما وحديثا.

(قال : " فتحلف لكم يهود ؟ " ) . وفي رواية : " فتبرئكم يهود بخمسين يمينا ؟" . وقيل : معناه : يخلصونكم من اليمين ؛ بأن يحلفوا. فإذا حلفوا انتهت الخصومة ، ولم يثبت عليهم شيء ، وخلصتم أنتم من اليمين.

وفي هذا : دليل لصحة يمين الكافر ، والفاسق.

" ويهود " مرفوع غير منون ، لا ينصرف. لأنه اسم للقبيلة والطائفة. ففيه : التأنيث والعلمية.

( [ ص: 330 ] (قالوا : ليسوا مسلمين (.

وفي حديث آخر : "كيف نأخذ أيمان قوم كفار ؟ ".

وفي آخر : " قالوا : يا رسول الله ! قوم كفار".

وفي رواية : "قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود " .

(فوداه رسول الله صلى الله عليه ) وآله وسلم من عنده ؛ فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : مائة ناقة ، حتى أدخلت عليهم الدار ) .

وفي رواية : "فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أن يبطل دمه فوداه : مائة من إبل الصدقة ".

(فقال سهل : فلقد ركضتني منها ناقة حمراء ) . أي : من تلك النوق ، المفروضة في الدية.

[ ص: 331 ] وفي رواية : " ركضتني فريضة ، من تلك الفرائض " .

والمراد بالفريضة هنا : "الناقة ". وتسمى المدفوعة في الزكاة ، أو في الدية : " فريضة " ، لأنها مفروضة. أي : مقدرة بالسن والعدد.

واختلف القائلون بالقسامة ، فيما إذا كان القتل عمدا ، هل يجب القصاص بها ؟؟

فقال معظم الحجازيين : يجب. وهو قول مالك ، وأحمد ، والشافعي. قال أبو الزناد : قلنا بها ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون. إني لأرى أنهم ألف رجل ، فما اختلف منهم اثنان.

وقال الكوفيون ، والشافعي في أصح قوليه : لا يجب به القصاص ؛ وإنما تجب الدية. وإليه ذهب أبو حنيفة ، وأصحابه.

التالي السابق


الخدمات العلمية