السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3200 باب حد البكر والثيب في الزنا

وقال النووي : ( باب حد الزنا ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 190 ج 11 المطبعة المصرية

[ عن عبادة بن الصامت ، قال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم ، إذا أنزل عليه كرب لذلك ، وتربد له وجهه. قال: فأنزل عليه ذات يوم، فلقي كذلك. فلما سري عنه قال: "خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلا؛ الثيب بالثيب. والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة، ثم رجم بالحجارة. والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة ".]
[ ص: 335 ] (الشرح)

(عن عبادة بن الصامت ) رضي الله عنه : (قال : كان نبي الله " صلى الله عليه ) وآله (وسلم " إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك ) بضم الكاف وكسر الراء.

(وتربد له وجهه (أي : علته غبرة. والربد : تغير البياض إلى السواد.

وإنما حصل له ذلك ، لعظم موقع الوحي. قال تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا .

(قال : فأنزل عليه ذات يوم ، فلقي كذلك. فلما سري عنه قال : "خذوا عني ، فقد جعل الله لهن سبيلا ) . إشارة إلى قوله تعالى : فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا فبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أن ذلك هو السبيل. واختلف أهل العلم في هذه الآية ؛ فقيل : محكمة. وهذا الحديث مفسر لها.

وقيل : منسوخة بالآية التي في أول سورة النور.

وقيل : إن آية النور في البكرين. وهذه الآية في الثيبين.

[ ص: 336 ] (الثيب بالثيب. والبكر بالبكر ) .

قال النووي : ليس هو على سبيل الاشتراط. بل حد البكر : الجلد والتغريب ، سواء زنى ببكر أم بثيب. وحد الثيب : الرجم ، سواء زنى بثيب أم ببكر. فهو شبيه بالتقييد ، الذي يخرج على الغالب.

قال : والمراد بالبكر من الرجال والنساء : من لم يجامع في نكاح صحيح ، وهو حر بالغ عاقل. سواء كان جامع بوطء شبهة ، أو نكاح فاسد ، أو غيرهما. أم لا.

والمراد بالثيب : من جامع في دهره مرة ، من نكاح صحيح ، وهو بالغ عاقل حر.

والرجل والمرأة ، في هذا سواء.

قال : وسواء في كل هذا : المسلم والكافر ، والرشيد والمحجور عليه لسفه. والله أعلم.

(الثيب بالثيب. والبكر بالبكر. الثيب جلد ) مائة ، ثم رجما بالحجارة ) .

قال النووي : أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة. ورجم المحصن " وهو الثيب ". ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة ، [ ص: 337 ] إلا ما حكي عن الخوارج ، وبعض المعتزلة ، كالنظام وأصحابه. فإنهم لم يقولوا بالرجم.

قلت : ولا مستند لهم ، إلا أنه لم يذكر في القرآن. وهذا باطل. فإنه قد ثبت بالسنة المتواترة ، المجمع عليها. وأيضا هو ثابت بنص القرآن ، لحديث عمر الفاروق " رضي الله عنه " الآتي.

واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم ؛

فقالت طائفة : يجب الجمع بينهما ، فيجلد ثم يرجم. وبه قال علي ، والحسن البصري ، وابن راهويه ، وداود ، وأهل الظاهر ، وبعض أصحاب الشافعي.

وقال جماهير العلماء : الواجب : الرجم وحده.

وحكى عياض عن طائفة من أهل الحديث : أنه يجب الجمع بينهما ، إذا كان الزاني شيخا ثيبا. فإن كان شابا ثيبا ، اقتصر على الرجم.

قال: وهذا مذهب باطل ، لا أصل له.

[ ص: 338 ] وحجة الجمهور : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة ؛

منها : قصة ماعز ، وقصة الغامدية ، وفي قوله : " واغد يا أنيس ! على امرأة هذا. فإن اعترفت فارجمها ".

قالوا : وحديث الجمع بين الجلد والرجم ، منسوخ. فإنه كان في أول الأمر. انتهى.

قلت : هذا الحديث ، وحديث عبد الله بن جعفر : دليل على الجمع بينهما. ولا حجة في قصة ماعز وغيره ، لأن المثبت أولى من النافي ، مع جواز أن الراوي ترك ذكر الجلد ، لكونه معلوما من الكتاب والسنة. وكيف يليق بعالم : أن يدعي نسخ الحكم الثابت كتابا وسنة ، بمجرد ترك الراوي لذلك الحكم ، في قضية عين لا عموم لها ؟

وبالجملة ، أنا لو فرضنا : أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أمر بترك جلد ماعز ، وصح لنا ذلك ، لكان ؛ على فرض تقدمه منسوخا. وعلى فرض التباس المتقدم بالمتأخر مرجوحا. وعلى فرض تأخره غاية ما فيه : أنه يدل على أن الجلد لمن استحق الرجم غير واجب ، لا غير جائز. ولكن أين الدليل على التأخر ؟

(والبكر جلد مائة ، ثم نفي سنة ) .

[ ص: 339 ] قال النووي : فيه حجة للشافعي والجماهير ؛ أنه يجب نفيه سنة. رجلا كان ، أو امرأة.

وقال الحسن : لا يجب النفي.

وقال مالك ، والأوزاعي : لا نفي على النساء. وروي مثله عن علي. وقالوا : لأنها عورة ، وفي نفيها تضييع لها ، وتعريض لها للفتنة. ولهذا نهيت عن المسافرة ، إلا مع محرم.

وحجة الشافعي : حديث الباب هذا.

وأما العبد ، والأمة : ففيهما ثلاثة أقوال للشافعي

؛

أحدها : تغريب كل منهما سنة ، لظاهر هذا الحديث. وبه قال الثوري ، وأبو ثور ، وداود ، وابن جرير.

الثاني : تغريب نصف سنة. لقوله تعالى : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب وهذا أصح الأقوال عند الشافعية. والآية مخصصة لعموم الحديث. والصحيح عند الأصوليين : جواز تخصيص السنة بالكتاب لأنه ؛ إذا جاز تخصيص الكتاب بالكتاب ، فتخصيص السنة به أولى .

والثالث: لا يغرب المملوك أصلا. وبه قال مالك ، وأحمد ، وإسحاق ، [ ص: 340 ] والحسن البصري وحماد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في الأمة إذا زنت : " فليجلدها". ولم يذكر النفي.

والجواب : أنه ليس في هذا تعرض للنفي. والآية ظاهرة في وجوب النفي ، فوجب العمل بها ، وحمل الحديث على موافقتها. انتهى.

قال في النيل: حديث " عبادة " دليل على ثبوت التغريب ، ووجوبه على من كان غير محصن. وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع : الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين.

وفي قصة " العسيف " : أن عليه جلد مائة ، وتغريب عام. وخطب عمر بذلك على رءوس المنابر. وعمل به الخلفاء الراشدون ، ولم ينكره أحد. فكان إجماعا. وحكي القول به : عن مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وغيرهم.

واستدل للحنفية : بعدم ذكره في آية الجلد. وبقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا زنت أمة أحدكم ، فليجلدها ". وهذا الاستدلال من الغرائب..

[ ص: 341 ] فإن عدم الذكر في الآية : لا يدل على مطلق العدم. وقد ذكر التغريب في الأحاديث الصحيحة ، الثابتة ، باتفاق أهل العلم بالحديث : من طريق جماعة من الصحابة. وليس بين هذا الذكر ، وبين عدمه في الآية : منافاة إلى قوله، وغاية الأمر : أنا لو سلمنا تأخر حديث الأمة عن أحاديث التغريب ، كان معظم ما يستفاد منه : أن التغريب في حق الإماء ليس بواجب ، ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حق غيرها. أو يقال : إن حديث الأمة : مخصص لعموم أحاديث التغريب مطلقا ، على ما هو الحق ، من أنه يبنى العام على الخاص ، تقدم ، أو تأخر ، أو قارن. ولكن ذلك التخصيص : باعتبار عدم الوجوب في الخاص لا باعتبار عدم الثبوت مطلقا. فإن مجرد الترك لا يفيد مثل ذلك. وظاهر أحاديث التغريب : أنه ثابت في الذكر والأنثى. " وهو نفي الزاني عن محله سنة ". قيل : وأقله " مسافة قصر ". وليس الحبس سنة : من التغريب في شيء. انتهى حاصله.

التالي السابق


الخدمات العلمية