السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3220 باب : كم يجلد في شرب الخمر؟

وقال النووي : ( باب حد الخمر ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 216 - 217 ج 11 المطبعة المصرية

[عن حضين بن المنذر (أبي ساسان ) ، قال : شهدت عثمان بن عفان (وأتي بالوليد ، قد صلى الصبح ركعتين ، ثم قال : أزيدكم ؟ ) فشهد عليه رجلان (أحدهما حمران ) : أنه شرب الخمر. وشهد آخر : أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان : إنه لم يتقيأ ، حتى شربها. فقال : يا علي! قم ، فاجلده. فقال علي : قم ، يا حسن ! فاجلده. فقال الحسن : ول حارها ، من تولى قارها. (فكأنه وجد عليه ) . فقال : يا عبد الله بن جعفر! قم ، فاجلده. فجلده ، (وعلي يعد ) . حتى بلغ أربعين. فقال : أمسك. ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكل سنة. وهذا أحب إلي.]


[ ص: 387 ] (الشرح)

(عن حضين بن المنذر ) بضم الحاء المهملة ، وفتح الضاد المعجمة. قال النووي : ليس في الصحيحين " حضين " ، غيره.

(أبي ساسان. قال : شهدت عثمان بن عفان ) رضي الله عنه ؛ (أتي بالوليد بن عقبة ، (قد صلى الصبح ركعتين. ثم قال : أزيدكم ؟ قال : فشهد عليه رجلان " أحدهما حمران " : أنه شرب الخمر. وشهد آخر : أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان : إنه لم يتقيأ ، حتى شربها ) .

فيه : دليل على أنه يكفي في ثبوت حد الشرب : شاهدان . أحدهما : يشهد على الشرب. والآخر : على القيء. ووجه الاستدلال بذلك : أنه وقع بمجمع من الصحابة ، ولم ينكروا عليه.

قال النووي : هذا دليل لمالك وموافقيه ، في أن من تقيأ الخمر : يحد حد الشارب.

ومذهب الشافعية : أنه لا يحد بمجرد ذلك. لاحتمال : أنه شربها جاهلا كونها خمرا ، أو مكرها عليها ، أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحدود.

[ ص: 388 ] قلت : وبه ، قال الحنفية أيضا.

قال : ودليل مالك هنا ، قوي. لأن الصحابة اتفقوا على حد الوليد ، المذكور في هذا الحديث.

وقد يجيب أصحابنا عن هذا : بأن "عثمان " علم شرب الوليد ، فقضى بعلمه في الحدود. وهذا تأويل ضعيف. وظاهر كلام عثمان : يرد على هذا التأويل. انتهى.

فقال : يا علي ! قم ، فاجلده. فقال علي ! قم ، يا حسن ! فاجلده. فقال الحسن : ول حارها ، من تولى قارها ) .

" الحار ": الشديد المكروه. "والقار " : البارد الهنيء الطيب. وهذا مثل من أمثال العرب.

قال الأصمعي وغيره : معناه : ول شدتها وأوساخها : من تولى هنيئها ولذاتها. والضمير عائد إلى الخلافة والولاية. أي : كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة ، ويختصون به : يتولون بكدها ، وقاذوراتها.

ومعناه : ليتول هذا الجلد : عثمان بنفسه. أو بعض خاصة أقاربه الأدنين. والله أعلم. قاله النووي..

[ ص: 389 ] ومعنى الحديث : أنه لما ثبت الحد على الوليد بن عقبة ، قال عثمان وهو الإمام ، لعلي على سبيل التكرم له ، وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحد : أقم عليه الحد، بأن تأمر من ترى بذلك. فقبل علي ذلك. فقال للحسن : قم فاجلده. فامتنع ) الحسن.

(فكأنه وجد عليه. فقال : يا عبد الله ! لابن جعفر : قم فاجلده. فجلده ) وكان علي مأذونا له في التفويض إلى من رأى ، كما ذكرنا (وعلي ) رضي الله عنه (يعد ، حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسك. ثم قال : جلد النبي صلى الله عليه ) وآله (وسلم أربعين. وجلد أبو بكر أربعين. وعمر ثمانين. وكل سنة ) .

قال النووي : هذا دليل على أن عليا " رضي الله عنه ، كان معظما لآثار عمر. وأن حكمه وقوله سنة. وأمره حق. وكذلك أبو بكر رضي الله عنه. خلاف ما يكذبه الشيعة عليه.

قال : واعلم أنه وقع هنا في مسلم ، ما ظاهره أن عليا جلد الوليد بن عقبة أربعين. ووقع في صحيح البخاري ، من رواية عبد الله بن عدي بن الخيار : أن عليا جلد ثمانين. وهي قضية واحدة. قال عياض : المعروف من مذهب علي " رضي الله عنه " : الجلد في الخمر " ثمانين ".

[ ص: 390 ] ومنه قوله : في قليل الخمر وكثيرها : ثمانون جلدة. وروي عنه : أنه جلد المعروف بالنجاشي " ثمانين ". قال : والمشهور أن عليا ، هو الذي أشار على عمر بإقامة الحد " ثمانين". كما في رواية الموطإ وغيره. قال : وهذا كله يرجح رواية من روى : أنه جلد الوليد " ثمانين " قال : ويجمع بينه ، وبين ما ذكره. مسلم من رواية الأربعين : بما روي أنه جلده بسوط له رأسان فضربه برأسه " أربعين ". فتكون جملتها " ثمانين ". قال : ويحتمل أن يكون قوله : (وهذا أحب إلي ) عائد إلى الثمانين ، التي فعلها عمر. هذا كلام القاضي.

وفي نيل الأوطار : ولكنه يشكل من وجه آخر. وهو أن الكل من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفعل عمر لا يكون سنة ) . بل السنة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط. وقد قيل : إن المراد : أن ذلك جائز قد وقع ، لا محذور فيه.

ويمكن أن يقال : إن إطلاق " السنة " على فعل الخلفاء : لا بأس به. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين الهادين. عضوا عليها بالنواجذ (4 ) . ويمكن أن يقال : إن المراد بالسنة " : الطريقة المألوفة. وقد ألف الناس ذلك في زمن [ ص: 391 ] عمر. كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وزمن أبي بكر. انتهى.

وبالجملة ؛ هذا الحديث ، فيه دليل على مشروعية حد الشرب. وقد ادعى عياض : الإجماع على ذلك. وقال في البحر : ولا ينقص حده عن الأربعين إجماعا. وذكر أن الخلاف ، إنما هو في الزيادة على الأربعين.

والحاصل ؛ أن دعوى إجماع الصحابة وغيرهم ، غير مسلمة. فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها. وردت به الروايات الصحيحة. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الاقتصار على مقدار معين ، حتى يصار إليه ويعول عليه. بل جلد تارة بالجريد. وتارة بالنعال. وتارة بهما فقط. وتارة بهما مع الثياب. وتارة بالأيدي والنعال.

والمنقول من المقادير في ذلك : إنما هو بطريق التخمين. فالأولى : الاقتصار على ما ورد عن الشارع من الأفعال. وتكون جميعها جائزة. فأيها وقع : فقد حصل به الجلد المشروع، الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل والقول. كما في حديث : " من شرب الخمر فاجلدوه".

فالجلد المأمور به : هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن الصحابة بين يديه. ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين ، لا يجوز غيره ) .

[ ص: 392 ] لا يقال : الزيادة مقبولة ، فيتعين المصير إليها. وهي رواية " الثمانين " لأنا نقول : هي زيادة شاذة.

ومما يؤيد عدم ثبوت مقدار معين عنه صلى الله عليه وآله وسلم : أن عمر طلب المشورة من الصحابة. فأشاروا عليه بآرائهم. ولو كان قد ثبت تقديره عنه صلى الله عليه وآله وسلم : لما جهله جميع أكابر الصحابة. والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية