السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3228 باب القضاء باليمين على المدعى عليه

وقال النووي : ( باب : اليمين على المدعى عليه ) .

وقال صاحب المنتقى : ( باب استحلاف المدعى عليه في الأموال والدماء وغيرهما ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 2 ج 12 المطبعة المصرية

[ (عن ابن عباس ) رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه ". ) ] [ ص: 405 ] وفي رواية أخرى عنه ، عند مسلم : " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قضى باليمين على المدعى عليه ".


(الشرح)

هكذا روى هذا الحديث : البخاري ومسلم مرفوعا ، من رواية ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله وسلم. وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم. قال عياض : قال الأصيلي : لا يصح مرفوعا ، إنما هو قول ابن عباس.

قال : وقد رواه البخاري ومسلم مرفوعا.

قال النووي : قلت : وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، بأسانيدهما مرفوعا. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. وجاء في رواية البيهقي وغيره بإسناد حسن ، أو صحيح ، عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ: "ولكن البينة على المدعي ) ، واليمين على من أنكر.

[ ص: 406 ] قال : وهذا الحديث قاعدة كبيرة ، من قواعد أحكام الشرع؛ ففيه : أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه ، بمجرد دعواه. بل يحتاج إلى بينة ، أو تصديق المدعى عليه. فإن طلب يمين المدعى عليه ، فله ذلك.

وقد بين صلى الله عليه وآله وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه ، لأنه لو كان أعطي بمجردها ، لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، واستبيح. ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه. وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة. انتهى.

قلت : واختلف الفقهاء في تعريف المدعي ، والمدعى عليه. قال في الفتح : والمشهور فيه تعريفان ؛ الأول : أن المدعي : من تخالف دعواه الظاهر. والمدعى عليه بخلافه.

والثاني : من إذا سكت ترك وسكوته. والمدعى عليه : من لا يخلى إذا سكت.

والأول أشهر. والثاني أسلم.

[ ص: 407 ] وقد أورد على الأول : بأن المودع إذا ادعى الرد ، أو التلف : فإن دعواه تخالف الظاهر. ومع ذلك فالقول قوله. انتهى.

قال النووي : وفي هذا الحديث : دلالة لمذهب الشافعي ، والجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه حق ، سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا.

وقال مالك ، وجمهور أصحابه ، والفقهاء السبعة " فقهاء المدينة " : إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة ، لئلا يتبذل السفهاء أهل الفضل ، بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد. فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة.

واختلفوا في تفسير الخلطة ؛

فقيل : هي معرفته بمعاملته ومدينته : بشاهد أو بشاهدين. وقيل : تكفي الشبهة. وقيل : هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله. وقيل : أن يليق به أن يعامله بمثلها.

ودليل الجمهور : حديث الباب. ولا أصل لاشتراط الخلطة ؛ في كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع. انتهى.

قلت : وظاهر حديث الباب : أن اليمين على المنكر ، والبينة على المدعي. ومن كانت اليمين عليه ، فالقول قوله مع يمينه.

[ ص: 408 ] ولكنه ورد ما يدل على أنه إذا اختلف البيعان : فالقول قول البائع. وبينه وبين هذا الحديث عموم وخصوص من وجه ؛

فظاهر حديث الباب : أن اليمين على المدعى عليه. فيكون القول قوله ، من غير فرق بين كونه بائعا أم لا. ما لم يكن مدعيا. فإن كان كذلك ، فعليه البينة. فلا يكون القول قوله.

وظاهر حديث البيع : أن القول قول البائع. وذلك يستلزم : أنه لا بينة عليه ، بل عليه اليمين فقط. سواء كان مدعيا أو مدعى عليه. وقد وقع التصريح باستحلاف البائع. فمادة التعارض حيث كان البائع مدعيا. والواجب في مثل ذلك : الرجوع إلى الترجيح. وأحاديث الباب أرجح. فيكون القول : ما يقوله البائع ، ما لم يكن مدعيا. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية