السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3256 باب الأمر بالضيافة

وهو في النووي في (الباب المتقدم ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 31 ج 12 المطبعة المصرية

[عن أبي شريح الخزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الضيافة ثلاثة أيام. وجائزته يوم وليلة . ولا يحل لرجل مسلم: أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه" . قالوا: يا رسول الله! وكيف يؤثمه؟ قال: "يقيم عنده، ولا شيء له يقريه به" .]
[ ص: 438 ] (الشرح)

(عن أبي شريح الخزاعي (رضي الله عنه ، وفي رواية ؛ " العدوي ". قال النووي : هو واحد. ويقال له : " الكعبي " .

(قال : قال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : الضيافة ثلاثة أيام. وجائزته يوم وليلة ) .

هذا الحديث : متظاهر على الأمر بالضيافة ، والاهتمام بها ، وعظيم موقعها.

قال النووي : وقد أجمع المسلمون على الضيافة ، وأنها من متأكدات الإسلام.

قال ابن رسلان : الضيافة من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الدين. وليست واجبة عند عامة العلماء.

قال النووي : قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والجمهور : "هي سنة ". وقال الليث ، وأحمد : هي واجبة "يوم وليلة " على أهل البادية ، وأهل القرى. دون أهل المدن. وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها : على الاستحباب ، وتأكد حق الضيف. وتأولها الخطابي : على المضطر. انتهى.

[ ص: 439 ] وأقول : الحق وجوب الضيافة لأمور ؛ الأول : إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك. وهذا لا يكون في غير واجب.

والثاني : التأكيد البالغ ، بجعل ذلك فرع الإيمان. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث آخر : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه جائزته " الحديث. وهذا يفيد : أن فعل خلافه ، فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. ومعلوم : أن فروع الإيمان مأمور بها. ثم تعليق ذلك بالإكرام " وهو أخص من الضيافة " : دال على لزومها بالأولى.

والثالث : قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث آخر : " فما كان وراء ذلك ، فهو صدقة " فإنه صريح : أن ما قبل ذلك ، غير صدقة. بل واجب شرعا. قال ابن الأثير : " الجائزة " العطية. أي : يقري ضيفه ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة.

والرابع : قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليلة الضيف حق واجب". فهذا تصريح بالوجوب. ولم يأت ما يدل على تأويله.

والخامس : قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث آخر : "فإن نصره حق على كل مسلم " فإن ظاهر هذا : وجوب النصرة. وذلك فرع وجوب الضيافة.

( [ ص: 440 ] وإذا تقرر هذا : تقرر ضعف ما ذهب إليه الجمهور ، وكانت أحاديث الضيافة : مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس ، ولحديث ليس في المال حق ، سوى الزكاة.

قال في النيل : ومن التعسفات : حمل أحاديث الضيافة على سد الرمق. فإن هذا مما لم يقم عليه دليل ، ولا دعت إليه الحاجة. وكذلك : تخصيص الوجوب بأهل الوبر ، دون أهل المدن ، استدلالا بما يروى : أن الضيافة على أهل الوبر. قال النووي وغيره من الحفاظ : إنه حديث موضوع ، لا أصل له.

(ولا يحل لرجل مسلم : أن يقيم عند أخيه ) أي : بعد الثلاث (حتى يؤثمه ) . أي : يوقعه في الإثم. لأنه قد يغتابه لطول مقامه ، أو يعرض له بما يؤذيه ، أو يظن به ما لا يجوز. وقد قال تعالى : اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم .

قال النووي : وهذا كله ، محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث ، من غير استدعاء من المضيف. أما إذا استدعاه ، وطلب زيادة إقامته ، أو علم أو ظن : أنه لا يكره إقامته : فلا بأس بالزيادة. لأن النهي إنما كان لكونه يؤثمه ، وقد زال هذا المعنى والحالة هذه.

[ ص: 441 ] فلو شك في حال المضيف ، " هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا ؟ " : لم تحل الزيادة إلا بإذنه ، لظاهر الحديث. والله أعلم.

(قالوا يا رسول الله ! وكيف يؤثمه ؟ قال : يقيم عنده ، ولا شيء له يقريه به ) وفي رواية متفق عليها : " ولا يحل له : أن يثوي عنده ، حتى يحرجه ". ومعنى " يثوي ": يقيم.

" ويحرجه " بضم أوله وسكون الحاء : أي يوقعه في " الحرج" وهو الإثم. لأنه قد يكدره فيقول : هذا الضيف ثقيل. أو قد ثقل علينا. أو نحو ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية