السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3484 [ ص: 457 ] باب الترغيب في الجهاد وفضله

وقال النووي : ( باب فضل الجهاد، والخروج في سبيل الله) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 19 - 20 جـ 13 المطبعة المصرية

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر، أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده! ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك.

والذي نفس محمد بيده! لولا أن يشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني.

والذي نفس محمد بيده! لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل
.


[ ص: 458 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة) رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي) هكذا هو في أكثر النسخ: " جهادا " بالنصب. وكذا قال بعده: (وإيمانا بي، وتصديقا برسلي) وهو منصوب على أنه مفعول له. وتقديره: لا يخرجه المخرج، ويحركه المحرك: إلا للجهاد والإيمان والتصديق.

وفي بعضها: بالرفع. ومعناه: لا يخرجه إلا الجهاد، ومحض الإيمان والإخلاص لله تعالى.

(فهو علي ضامن أن أدخله الجنة) . في "ضامن " هنا وجهان؛ أحدهما: أنه بمعنى " مضمون ". كماء دافق. أي: مدفوق. والثاني: أنه بمعنى " ذو ضمان ".

" ودخول الجنة، يحتمل: أن يكون عند موته. كما قال تعالى: أحياء عند ربهم يرزقون . وفي الحديث: " أرواح الشهداء في الجنة ".

ويحتمل: أن يكون عند دخول السابقين المقربين، بلا حساب [ ص: 459 ] ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب. وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه، كما صرح به في الحديث الصحيح.

وفي رواية: "تكفل الله له الجنة "، ومعناه: أوجب الله له الجنة بفضله وكرمه.

وهذا الضمان والكفالة، موافق لقوله تعالى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة . الآية.

(أو أرجعه إلى مسكنه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة) معناه: ما حصل له من الأجر بلا غنيمة، إن لم يغنم. أو من الأجر والغنيمة معا، إن غنموا.

وقيل: إن " أو " هنا بمعنى الواو. وكذا وقع في رواية أبي داود، وكذا في مسلم في رواية أخرى " بالواو ".

ومعنى الحديث: أن الله تعالى ضمن: أن الخارج للجهاد، ينال خيرا بكل حال؛ فإما أن يستشهد فيدخل الجنة. وإما أن يرجع بأجر.

وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.

[ ص: 460 ] (والذي نفس محمد بيده ! ما من كلم يكلم في سبيل الله تعالى (إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم) .

"الكلم"، بفتح الكاف وإسكان اللام: هو الجرح. " ويكلم " بإسكان الكاف. أي: يجرح.

وفيه: دليل على جواز اليمين، وانعقادها، بقوله: والذي .. إلخ.

ونحو هذه الصيغة من الحلف بما دل على الذات. ولا خلاف في هذا.

قال الشافعية : " اليمين"، تكون بأسماء الله تعالى وصفاته، أو ما دل على ذاته.

قال عياض : "اليد" هنا: بمعنى القدرة والملك. وأقول: هي عندنا "صفة " من صفات ربنا. لا نؤولها بالقدرة، ولا بالملك. بل نكل علمها إلى الله سبحانه، مع الإيمان بما جاء عن الله وعن رسوله بلا تعطيل ولا تمثيل. وعلى هذا درج السلف الصالح.

(لونه: لون دم. وريحه: ريح مسك) .

قال النووي : وفيه دليل على أن الشهيد لا يزول عنه الدم بغسل ولا غيره. والحكمة في مجيئه يوم القيامة على هيئته: أن يكون معه شاهد فضيلته، وبذله نفسه في طاعة الله تعالى. ونحوه في الفتح.

[ ص: 461 ] وفي حديث آخر: " ومن جرح جرحا في سبيل الله، أو نكب نكبة: فإنها تجيء يوم القيامة، كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران. وريحها ريح المسك".

وفي رواية بلفظ: " اللون لون الدم، والريح ريح المسك ".

(والذي نفس محمد بيده ! لولا أن يشق على المسلمين، ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا) أي: خلفها وبعدها.

[ ص: 462 ] عنهم وفيه: ما كان عليه -صلى الله عليه وآله وسلم- من الشفقة على المسلمين؛ والرأفة بهم. وأنه كان يترك بعض ما يختاره، للرفق بالمسلمين. وأنه إذا تعارضت المصالح، بدأ بأهمها.

وفيه: مراعاة الرفق بالمسلمين، والسعي في زوال المكروه والمشقة عنهم.

(ولكن لا أجد سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني) .

فيه: أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين. (والذي نفس محمد بيده ! لوددت أن أغزو في سبيل الله، فأقتل. ثم أغزو فأقتل. ثم أغزو فأقتل) .

فيه: فضيلة الغزو والشهادة.

وفيه: تمني الشهادة والخير، وتمني ما لا يمكن في العادة من الخيرات.

التالي السابق


الخدمات العلمية