السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
3524 باب من قاتل لتكون كلمة الله أعلى

وقال النووي : ( باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) . وقال في المنتقى: (باب ما جاء في إخلاص النية، في الجهاد إلخ) .

حديث الباب

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 49 جـ 13 المطبعة المصرية

[ (عن عمرو بن مرة ، قال: سمعت أبا وائل ؛ قال: حدثنا أبو موسى الأشعري) (أن رجلا أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم فقال: يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم. والرجل يقاتل ليذكر. والرجل يقاتل ليرى مكانه. فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله ") . ]


(الشرح)

المراد بكلمة الله: دعوة الله إلى الإسلام.

ويحتمل أن يكون المراد به: أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان [ ص: 504 ] سبب قتاله: طلب إعلاء كلمة الله فقط. بمعنى: أنه لو أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة، أخل به.

وصرح الطبري بأنه لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا . وبه قال الجمهور. كما حكاه صاحب الفتح. ولكنه يعكر على هذا: ما في حديث أبي أمامة: " أن الله لا يقبل من العمل، إلا ما كان خالصا". ويمكن أن يحمل: على قصد الأمرين معا على حد واحد. فلا يخالف ما قاله الجمهور.

فالحاصل: أنه إما أن يقصد الشيئين معا. أو يقصد أحدهما فقط.

أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا.

والمحذور: أن يقصد غير الإعلاء. سواء حصل الإعلاء ضمنا، أو لم يحصل. ودونه: أن يقصدهما معا. فإنه محذور على ما دل عليه حديث أبي أمامة.

والمطلوب: أن يقصد الإعلاء فقط. سواء حصل غير الإعلاء ضمنا، أو لم يحصل.

قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله: لم يضره ما ينضاف إليه. وعلى هذا؛ يحمل حديث "أبي هريرة " يأتي بعد هذا الباب.

[ ص: 505 ] وأما حديث ابن عمرو، فليس فيه ما يدل على جواز قصد غير الغزو في سبيل الله؛ لأن الغنيمة إنما حصلت بعد أن كان الغزو في سبيل الله. ولم يكن مقصوده في الابتداء.

قال النووي " رحمه الله": فيه: بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة. وأن الفضل الذي ورد في المجاهد في سبيل الله: يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. انتهى. ويوضحه حديث آخر عنه، عند مسلم بلفظ: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله".

وفي رواية أخرى: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن القتال في سبيل الله، فقال: الرجل يقاتل غضبا، [ ص: 506 ] وقال حمية. قال: فرفع رأسه إليه - وما رفع رأسه إليه، إلا أنه كان قائما - فقال: "من قاتل"، الحديث.

وهذه الأحاديث: نصوص في محل النزاع، ومكان الامتياز بين المحق والمبطل.

قال في الفتح: والحاصل: أن القتال منشؤه القوة العقلية، والقوة الغضبية، والقوة الشهوانية. ولا يكون في سبيل الله، إلا الأول. انتهى.

وأقول: قد نبغت في هذا الزمان، بل في الزمان الذي كان قبل هذا، منذ قرون متطاولة: طائفة يحاربون الملوك، مسمين له بالجهاد. وإنما غرضهم بذلك: انتزاع الملك من أيدي الملوك، وإن كانوا من المسلمين. وتسلطهم عليه، وتحصيل المغنم. فهذا الإخلاص الذي وردت أحاديث الباب به، هم بمعزل عنه. وليس من الجهاد والشهادة في شيء.

وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ". ولنعم ما قال بعضهم؛


سارت مشرقة وسرت مغربة شتان بين مشرق ومغرب

.

وإذا رأيت تواريخ الملوك، وجدت أكثرهم كذلك. وهم يدعون الإسلام، ويخرجون على المسلمين ويفسدون في الأرض. والله لا يحب المفسدين. وقد سمعنا في الخلفاء الراشدين، ومن تبعهم بالإحسان: أنهم [ ص: 507 ] كانوا يغزون ويجاهدون في سبيل الله، ثم لم نسمع بأحد ولم نر أحدا كان حربه وقتاله لإعلاء كلمة الله، وإنما كان ذلك للدنيا والحرص عليها، وجبرهم وقهر غيرهم، إلا ما شاء الله. وقليل ما هم. بل ما هم بقليل أيضا. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية